ناصر الخالدي
جارت الدنيا عليهم حتى صار الموت أكبر أمانيهم لأنهم رأوا فيه خلاصهم من الذل والشقاء ومع ذلك فلم يقفوا يوما من الأيام على أبواب الناس، يأتي الشتاء والبرد القارس وتعرى أجسادهم من الثياب ولا يسألون الناس، وتمرض طفلتهم وتصير بين الحياة والموت ولا يسألون الناس، ومهما كانت الظروف فإنهم لا يشكون لأحد ويرون ذلك قمة الإذلال، واذا جئت تمد لهم يد العون تجدهم يتظاهرون بالغنى وأنهم على ما يرام وفي أنفسهم ألم الفقر والحاجة، لكن عزة النفس تمنعهم من السؤال وقد رأيت بعيني اناسا كثر يعيشون على أبسط الأشياء وتنقصهم أساسيات العيش، وأبسط المتطلبات غير موجودة لديهم وان سألتهم عن الحال قالوا بخير ونعمة ولا يقبلون ان تواسيهم ان كانت المواساة بطريقة التفضل.
عزة النفس وصيانتها عن كل ما لا يليق بالانسان أمر غاية في الأهمية فالإنسان أعز المخلوقات اذ ان الله عز وجل قال في كتابه العزيز (ولقد كرمنا بني آدم) فجاء التكريم من الخالق، لذلك وجب على المخلوق ان يستجيب لأمر الخالق فرب كلمة تقولها وأنت لا تدري تحطم بها مشاعر انسان وتزعج بها أحاسيسه وتسبب له أقسى أنواع الجراح لأن كرامة الانسان فوق كل اعتبار ولأن الانسان بلا كرامة لا يصبح انسانا فالكرامة تمنع الواحد منا من أشياء كثيرة لو فعلها لكانت عارا ما بعده عار، فلا تفرط بكرامتك ولا تتهاون بكرامة الآخرين، ومادام الحديث عن الكرامة فإن من الواجب ان اكتب عن أمر غاية في الأهمية وأكتب عنه من باب امانة القلم والدفاع عن الإنسان، وهذا الأمر هو الاحسان الى الخدم واعطائهم كافة الحقوق والمتطلبات والنظر اليهم على انهم بشر لهم مشاعر وأحاسيس تركوا أهلهم وأصحابهم وبلدانهم التي عاشوا بها أجمل أيام العمر ثم رمتهم الأيام وأجبرتهم الظروف على ان يتغربوا في سبيل العيش وهؤلاء الخدم لكل واحد منهم قصة ولكل واحد منهم مأساة فمنهم من عاش اليتم ومنهم من عاش الفقر والحاجة ومنهم من عاش التشرد والضياع ومنهم من عاش السجون والمخدرات ومنهم من عاش الرذيلة والانحراف، والتعامل معهم يحتاج الى حذر فالاحسان اليهم مطلب شرعي وواجب انساني فهم لا يختلفون عنا في شيء، وان كنا نحن نحتاج الى الراحة فهم كذلك يحتاجون اليها، وان كنا نحتاج الى التنفيس والترفيه فهم مثلنا يحتاجون التنفيس والترفيه، وما نسمعه من قصص عن تعرض بعض الخدم للضرب والتعذيب أمر محزن للغاية ولا يدل الا على بشاعة وفظاعة بعض القلوب التي تجردت من العاطفة وصارت كالحجارة بل أشد قسوة، وهذه القلوب لها من الله وقفة للمحاسبة وأخذ الحق وان اخطأت الخادمة مرة فلقد اخطأت «المعزبة» فلا داعي للسب والقذف والصراخ وليتذكر كل واحد منا ان الأيام لا تبقى على حال، وان الدهر متقلب الأطوار.
الاحسان الى الخدم واعطاؤهم رواتبهم حسب الاتفاق واجب ليس فيه منة أو تفضل، وأذكر من غريب ما رأيت في موضوع الاحسان الى الخدم ان أحد الذين اعرفهم يتلطف بمعاملة خادمه تلطفا ليس له مثيل فيأكل معه على نفس المائدة ويفتح له قلبه وجيبه ويعطيه راتبه ويزيد عليه مكافأة شهرية وما جلسنا الا وجلس معنا الخادم واذا كان يوم الجمعة فله اجازة يرتاح بها من عناء العمل ويذهب الى حيث يريد فوجد منه الاخلاص والتفاني في العمل، ولو عاملنا الخدم في بيوتنا بمثل هذه المعاملة لما كانت عندنا الجرائم والمشاكل ولكل قاعدة شواذ. وخلاصة القول انه من الضروري ان تقوم الجهات المعنية بفحص الخدم فحصا شاملا ودقيقا قبل المجيء بهم لأنه وكما ذكرت يوجد عدد كبير من هؤلاء الخدم يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية وبعضهم لديه انحرافات سلوكية واعداد الجرائم التي ارتكبها الخدم في السنوات الأخيرة مخيفة تتطلب وقفة جادة من جميع المسؤولين في الدولة.