ناصر الخالدي
بالأمس الغريب خرج أهلي في نزهة بحرية إلى أحد الشاليهات كنوع من تغيير الجو وأصررت على البقاء في المنزل وحيدا مع أوراقي وانشغالاتي وصوت المذياع وموعد نشرة الأخبار والجلوس في الديوانية مع الأصدقاء وتوقعت أن يكون بقائي وحيدا نوعا من التغيير وفرصة للاستمتاع بما يعرف بالهدوء ولكنه، وعلى غير ما توقعت، لم يكن البقاء إلا معركة وصراعا بيني وبين الهدوء وتراكمت علي الأشغال فما بين مقال أكتبه ولقاء أفرغه واتصال أجريه وصديق أشتاق إليه وكتاب أتلهف على قراءته، كل هذا في ناحية والجوع في ناحية أخرى.
وبينما أنا مع صديقي نتباحث عن وسيلة تخلصنا من الجوع اقترحت عليه أن يرافقني إلى المطبخ لنعمل عشاء أفضل من أكل المطاعم وبالفعل ذهبنا إلى المطبخ وأحضرنا كل ما نحتاج إليه وأشعلنا النار ووضعنا المكونات وأخذ صديقي يقلب الطعام بالملعقة النحاسية ويضع الملح ويسكب زيت الزيتون وتطير رائحة الأكل في الفضاء الرحب لنعلن الحرب على الجوع.
لكنني لم أستمتع بالأكل رغم أنني اكتشفت أن صديقي «بربر» طباخ من الدرجة الأولى وأنه يملك نفسا في الطبخ، وعرفت أن والدتي هي الأفضل بين جميع الطباخين وأنها لو طبخت أعوادا، لكان للأعواد نكهة وأن نفسها في الطبخ يختلف تماما عن غيرها فهي التي طالما أنقذتني من الجوع.
هذه الأم الكريمة التي وقفت معي ليس في الجوع فحسب وإنما في مواقف كثيرة تستحق الكثير الكثير، ومهما أقدم لأجلها فلا شك في أنني سأبقى دائما في خانة المقصرين، فهل أنسى حنانها وتضحياتها؟ إن كنت أنسى فلا خير في ذاكرتي وحبي لها ليس يوما وينتهي وعيدي معها ليس تاريخا ويمضي، فكل أيامي أعياد، ما دامت معي وكل أشياء العالم لها هدايا لها مني في كل صلاة دعاء وابتهال، ولها مني في كل مناسبة ذكر وثناء، ولها مني اعتراف أسجله هنا وفي كل مكان أنني مهما كبرت فسأبقى صغيرا أصغر من كل الأشياء أمام هذه الإنسانة العظيمة وإذا احتفل الناس بالأم يوما واحدا فسأحتفل بأمي كل يوم.
أما صديقي الطباخ فقد أشبع جوعته وراح ينام وبقيت جائعا وحدي مع الشعر والأدب والاشتياق، فيا رب أطعم الجائعين وأشبعهم بكرمك وجودك وخلصهم من ذل الجوع ولا تحوجهم إلى غيرك فأنت السيد الكريم.
بادرة طيبة من المحامي خالد عبدالجليل أن يسلط الضوء على قضية عقوق الوالدين بهذا الأسلوب المؤثر وبهذه الطريقة المؤثرة ودون مجاملة، أبدع بوصقر، وأكمل المشوار علي حسن مدير إدارة المسنين ليكون الناتج حلقة أحدثت بداخل كل واحد منا ردة فعل إيجابية وجعلتنا نحاسب أنفسنا على أمل ان نخرج من الغفلة التي نعاني منها.