أكاد أجزم لو تعرض أحدنا في الخارج لأي موقف «مرض مفاجئ، لا قدر الله، حادث سرقة نقود، عارض يتعلق بنسيان متعلقات مهمة، دواء ومفاجآت غير متوقعة تنغص علينا وأسرنا راحتنا وإجازتنا.. الخ»، لن نجد مغيثا من بعد الله سوى الكويتي من أبناء الديرة، هو من سيقف معنا دون أدنى شك، لا ينتظر منا حمدا ولا شكورا، بل يفزع بطيب نفس وبشعور الواجب المؤكد تجاهنا، هكذا هي أخلاقياتنا وما يتوجب علينا القيام به من باب الواجب القيمي المتأصل بتربيتنا وأسس القواعد الراسخة بعاداتنا التي تقود سلوكنا الفطري دون أن يجبرنا عليه أحد، تلك هي ثقافتنا التي جبلنا عليها (أكيد لسفاراتنا دور مهم ولكن المقال يتحدث عن أمر آخر)، هناك منطقة وسطى بين القيام بهذا الواجب (الفزعة، الحمية) وبين ما يقوم به البعض في خلال تواجدنا في الخارج سواء أثناء إجازة الصيف أو غيرها.
تزخر شوارع بعض الدول المشهورة لدينا سياحيا، بأفواج ربعنا الكويتيين (أفرادا، شبابا، عائلات، جماعات متفرقة هنا وهناك) يتمشون ويستمتعون بأوقاتهم سواء بالتفرج والاستمتاع بمقومات السياحة لهذا البلد أو ذاك، البعض اتخذ من شوارع ومقاه بعينها ملاذا للتجول أو التجمع اليومي. حتى لو صادفت كويتيين في المطار أو في المطاعم أو في الحدائق والأماكن الترفيهية المنتشرة هنا وهناك تجد القاسم المشترك للسلوك العفوي الفردي أو الجماعي وهو الإسراع في (خزني وأخزك) دون أي سابق مقدمات، بدلا من إلقاء التحية أو حتى توجيه ابتسامة عابرة نوزعها دون مقابل، بل «خزة» نرسل من خلالها برسائل غير لفظية وغير محببة وكأننا نقول «احنا منحاشين عنكم في الكويت شجايبكم معانا في هذا البلد؟! أو هذا شنو لابس وذاك شكله غير بالبنطلون! وهكذا».
يسود هذا السلوك لبعض المصطافين من ربعنا ويؤكدون عليه مرارا وتكرارا حتى بات التأكيد على كويتية هذا السائح أو السائحة هي سهام النظرات (المخازز) التي نوجهها للآخرين من بني جلدتنا وننفرد بها عن غيرنا من الجنسيات! سلوك مستغرب لكنه غير مكروه، عادة غير محببة لكنها ليست غير حميدة، تصرف غير مقبول لكنه (ينبلع) يعني مهضوم، والسبب معرفتنا بأصل المعنى والمغزى.
للكويتيين أصول متجذرة لفهمنا بمقاصد ونوايا بعضنا، وما تعتريه أنفسنا من مشاعر صادقة تجاه بعضنا البعض يغلفه دون أدنى شك احترام بعضنا لبعض! وتقدير كل للآخر محتفظين بعلو وعزة شأننا ككويتيين، يقدس صغيرنا كبيرنا، حتى لو جار عليه، لن تؤثر بنا تلك الرسائل غير اللفظية (المخازز) المرسلة مع سبق الإصرار والترصد في شوارع وحدائق ومطارات الدول الأخرى، ولن تغير أو تزحزح مواقع المودة والاحترام بيننا، فالمتعمق بخلجات نفوس الكويتيين يجد مساحات واسعة تستوعب قبول الآخر ولا ترفضه البتة.
نعم قد لا يرغب البعض أن تجمعه الصدف بأبناء بلده عند تمثال (...) أو (...) عند مدخل ذلك المتجر العالمي أو بالقرب بأحد بحيرات جبال الألب ويعبر عنها بخزة امتعاض عبرت البلدان والقارات، لكنها تختلف عن تلك التي يوجهها صغار قومنا من المراهقين في ساحات المولات وشوارع ديرتنا، لأن الفارق كبير والمعنى أكبر والفهم والإدراك أعمق في المقصد.
نحتاج إلى القليل من المبادرات المستحيلة بيننا في الكشف عن ذلك التقدير الذي يعكس ذلك القدر الكبير من الخوف على بعضنا البعض ومدى قدر احترامنا لبعضنا والتحامنا عندما نعبر عنه بعد كل الصلوات في مساجدنا ودواوين فرجاننا، بدل أن نعبر عنها بالمخازز! هل نقدر؟ لا أعتقد!