كنت الكويتي الوحيد على متن إحدى الطائرات العائدة من الأقصر باتجاه الكويت. تعتبر مدينة الأقصر المحطة الأمثل لبلوغ الإخوة الصعايدة بعض مدنهم مثل قنا وأسيوط وغيرها، جلست في المقعد المخصص لي وانتظرنا دقائق حتى أقلع الطائر الميمون بنا. استقرت الطائرة فوق السحاب وبدأ الركاب بالاسترخاء وتبادل أطراف الحديث بينهم بعفوية صادقة تماما كأنك في احد مقاهي خيطان. منهم اثنان يجلسان خلفي وبدا انهما ليس بينهما سابق معرفة. كان نقاشه حول طبيعة عملهما في الكويت وبصوت عال أجبراني (غصبا) على سماع تفاصيله، أسرده فيما هو آت.
الأول: تشتغل فين يا خال؟ الثاني: في احدى شركات المقاولات والحمد لله مستور الحال. الأول: مرتاح من الشغل معاهم؟ الثاني: الحمد لله رضا، لكن ما قلت لي انت تشتغل فين؟ الأول: أنا أحصل على قوت يومي بشكل يعتمد على مدى حصولي على العمل، أقف بعد صلاة الفجر بانتظار (زبون) يطلب (معلم) في البناء. الثاني: يعني انت بنا (بناي)؟ الأول: نعم أنا معلم بنا، الأول: وإذا لم تحصل على شغل.. تعمل آيه يا خال؟ الثاني: تصدق بالله؟ الكويت بلد فيه الخير، يوم احصل على شغل وقوت يومي، ويوم لا أحصل على شغل، لكن.. مرتاح وأعيش بنفسية راضية ولا أزعل إذا لم أحصل على قوت يومي! المهم أني أعيش بكرامة، ونظام البلد يكفل لي هذا الشيء! الأول: صدقت يا أخي أنا أوافقك هذا الرأي.. الكويت تختلف عن غيرها من البلدان، لقد مرت علي أيام لم اتسلم المقابل المادي اليومي (يوميتي) من الشركة، لكن لم أمت من جوع! فمن يعيش في الكويت لا يبات جوعان، الخير في كل مكان وتستطيع ان تحصل على لقمة عيش حلال من اي مكان، الجميع يتسابق بإطعامك، فلا تشعر بالإهانة ثم يأتيك يوم آخر تعوض به اليوم الذي قبله وهكذا حتى رزقنا الله الحلال الكثير واشتريت الفدان تلو الفدان حتى أصبح لدي حلال كتير في البلد يديره حسنين. الثاني: مين حسنين؟ الأول: اخوي، الاول: الحمد لله ساقنا ربنا للكويت حتى نعيش فيها ونربي أولادنا بشرف ويدرسون (دلوكتي) في أفضل المدارس والجامعات المصرية وهذا كله من خير الكويت. المضيفة تمر بعربة الخدمة وتهم بتوزيع وجبات الغداء علينا ليصمت جميع الركاب عن الكلام وتهدأ الأجواء الملتهبة من (السوالف) بعد ان انشغلت أفواههم بالأكل. وصلنا برعاية الله وحفظه وهممنا بالنزول من الطائرة وقادني فضولي لمشاهدة المتحاورين خلفي وإذ بهما فتيان ممن أنعم الله عليهما بالصحة وبالتفاؤل والأمل وهما لا يعلمان هل سيحصلان على قوت يوم الغد أم لا!! فرصة ثمينة استمعت خلالها لحوار صادق عن بلدي دون أي نفاق او تملق ساعد في ذلك عدم إدراكهما البتة وجود كويتي أقلع من الصعيد!!!.