جميعهم سألوني عندما كانوا يتفحصون شهادات التقدير التي أزين بها مكتبي: من أين لك هذه الشهادة الممهورة بتوقيع الرئيس الراحل بوش الأب؟ قلت ليس مهما من أين أتت، وكيف أتت هذه الشهادة! بل أن ندرك جيدا من هو صاحب هذا التوقيع. إنه الرئيس الراحل بوش الأب الذي سخره الخالق الكريم لنا وجموع من الشرفاء لتحرير أرضنا من مغتصبها، وأقسموا حينها على عودة الكويت والكويتيين أحرارا كما كنا، بحثت كثيرا في معاني الغدر واللؤم لتفيض المعاجم بمعاني الخسة والعار في أبعادها النتنة فهزمتها معاني أفعال (بوش الأب) والشرفاء من العالم.
تعرضنا للنحر وتعرض وطني للاغتيال وإرادتنا للقتل بأبشع الأدوات والأساليب التي عرفتها البشرية والمجرمون فتصدى لها الشرفاء وعلى رأسهم (بوش) تلذذوا بحرق كياننا الكويت وسحقوا فينا مشاعر العروبة سحقا لتدميرها بل لمحوها من وجداننا فظهر الشرفاء يتقدمهم هذا الفارس (بوش) ليجعل من تلك المفاهيم مثالا لتاريخ جديد يعيدنا لدروبنا التي تناساها بعضنا وهي دروب حفظتنا من بعد الله بأننا شعوبا لا تلدغ مرتين وباتباع منهج السياسة المرة التي تقوم على المصالح لا على الصالح.
زار هذا الرجل الكويت يوما وكنا حينها تواقون لمشاهدته عن قرب فذهبت كما ذهب الكثيرون من أبناء بلدي، جموع كثيرة حرصت على تقديم الشكر والعرفان لهذا الرجل كل بطريقته الخاصة العفوية.
خرج موكبه المهيب من المطار يجوب شوارع الكويت يطوف بين جموع المصطفين على جوانب الطرقات شاهدناه بأم أعيننا كما هو شاهدنا بأم عينه فتبادلت نظراتنا حبا وحديثا غير منطوق قلنا له شكرا وقال لنا تستحقون الحياة الكريمة بشرف وعزة الكويتي.
احتفلت به الكويت فغادرت بروتوكولات الضيافة كل قواعدها المعدة والمعروفة لاستقبال الرؤساء ليحظى هذا الإنسان بأحضان حميمة ممن اكتووا بلظى الاحتلال وقهر الظلم من الأخ، فبقدر الألم كان احتضان هذا البطل (بوش). لقد كان هذا الرجل طيارا في الحرب العالمية الثانية وقطبا من أقطاب صناعة النفط في تكساس قبل دخول مجال السياسة كجمهوري عام 1964.
وكان الرئيس الأميركي الـ 41 وتولى لمدة 8 سنوات منصب نائب الرئيس الأسبق رونالد ريغان.
وعلى المستوى الدولي فقد حددت سياساته الخارجية ملامح فترة ولايته، وذلك في فترة شهدت انهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية وتفكك الاتحاد السوفييتي مما أبقى الولايات المتحدة بوصفها القوى العظمى الوحيدة في العالم.
وكان لسياساته الفضل في ترميم مصداقية الولايات المتحدة في العالم.
شعب الكويت لن ينساك أيها البطل الذي لقنت الظلم والظالمين درسا لن ينسوه فتمنهج كل من يفكر في الغدر يوما خلف أفعاله ووضعها (حلقة) في أذنه يستذكر كلما نسي أن الغدر واللؤم له العزيز القادر على هزيمته ومن يسخرهم من الأبطال أمثال بوش الأب الذي كان ذلك الأنموذج الفريد في ردعهم وكسر أنوفهم ورؤوسهم كلما ارتفعت فوق مستواها المحدود! رحل البطل وسيبقى بقلوبنا ما حيينا ولن تنساك الكويت أبدا طالما في البشرية عرق ينبض.