بعد أن تقلد منصب وزير لإحدى الوزارات في عام ١٩٩٢(وفق ما أذكر)، كان لي نصيب وافر في (كبساته) المفاجئة، إحداها عندما كنت وزملائي الموظفون نواصل العمل ليل نهار بل يمتد العمل بنا أحيانا إلى ما بعد منتصف الليل بسبب طبيعة عملنا في تشغيل صالة الأفراح التابعة لأحد أقسام المركز الذي نعمل به. كان النموذج الأول في مجال تنمية المجتمع المحلي واعتبرته الوزارة من المشاريع المأمولة لخلق التوازن المنشود في شتى المجالات.
في إحدى الليالي وبعد الاطمئنان على سير العمل، عدت الى مكتبي لمراجعة الكتب الواردة واتخاذ ما يلزم بشأنها، وبينما كنت منهمكا في دراسة أحدها وإذ بأحد الأشخاص يدخل مكتبي وبصوت سمعته مرارا يوجه لي تحية الإسلام: السلام عليكم، رددت عليه السلام وأنا مستمر في التبحلق بتلك الأوراق وأشرت إليه بيدي اليمنى (تفضل استريح)، فظل واقفاً، ما أثار حفيظتي، فرفعت رأسي وإذ به الوزير نفسه، قمت على الفور من مكاني وباشرته بعبارات الترحيب ثم الاعتذار لعدم القيام بواجبي المفترض! إلا أنه كان في منتهى الرقي والأخلاق وفهم الموقف الذي كنت فيه ليرد علي بعبارات الثناء التي تدل على إدراكه لموقفي، ثم باشر مهمته الرقابية سائلا: شعندكم مداومين ونحن في أول أيام عيد الأضحى؟! أجبته: نؤدي واجبنا.. لقد استحدثت نظام عمل يتم بموجبه استغلال صالة الأفراح في جميع الأيام بما في ذلك الأعياد والعطل الرسمية لإتاحة المجال لأكبر عدد من المواطنين للاستفادة منها بإقامة مناسباتهم وأفراحهم باعتبارها الصالة الوحيدة التي تتبع وزارتك! ضحك ثم قال: ممكن تأخذني في جولة ميدانية للتعرف على طبيعة عملكم؟ تفضل بوعبدالعزيز.. اصطحبته لتفقد بقية أقسام المركز حتى وصلنا الى باب الخروج الملاصق لأحد جوانب الصالة على أنغام الفرح والسعادة التي تغمر أهل (المعاريس) في تلك الليلة التي امتزجت مجرياتها بالخارج مع كبسة الوزير.
في نهاية جولته، شكرني الوزير وحمّلني مسؤولية تقديم وافر الشكر وعظيم الامتنان للموظفين على مجهودهم الذي لامسه وشعر به وبقيمته المهنية والإنسانية.
رافقته الى سيارته واستوقفني سائلا: كيف ولماذا يواصل هؤلاء الموظفون العمل حتى منتصف الليل دون أي مقابل، وما دافعهم من ذلك؟ قلت: يا معالي الوزير.. حضرتك اشتهرت بـ«كبساتك» لمتابعة أعمال وزارتك بنفسك والوقوف على المشكلات لحلها، دافعك الأمانة التي لم تحنث بها وتعهدت أمام الله ثم ولي أمرنا على صيانتها، وها أنت اليوم تقوم بمهمتك الرقابية في العيد أيضا تاركا «عيالك» وأسرتك والتزاماتك الاجتماعية كونك وزيرا.
بالمناسبة.. لقد كان لهؤلاء الموظفين أمنية هي أن «تكبس» عليهم يوما، وتحقق لهم ما يريدون.
لديهم الاعتقاد ذاته الذي تؤمن به وجل هدفهم الأجر من الله، الليلة أنت عززت لديهم المواطنة، وجسدت عندهم الولاء. فأشكرك معالي الوزير على زيارتك «الكبسة». الوزير كان جاسم محمد العون. المكان: وزارة الشؤون.
الشهود: أهالي الفرجان المحيطة بمركز تنمية المجتمع، المكان: بيان.