تجولت بين موائد (إفطار صائم) المنتشرة في الكويت ليستفيد منها أولئك الذين لا يستطيعون أن يدركوا منازلهم وأسرهم بسبب طلب الرزق الحلال مثل أصحاب التاكسي الجوال أو عمال المشاريع الإنشائية المنتشرة في الميادين أو عمال النظافة وغيرهم، وذلك للاطمئنان على أن تلك الفئة من المقيمين تنعم بفطور شهي كالذي ننعم نحن به على موائدنا الرمضانية، في نهاية الجولة حمدت الله على فضله، ودعوته بأن يجازي كل من يساهم في تجهيز هذه الموائد خيرا، طابعا صورة ذهنية في مخيلتي عن تلك الموائد لأقارنها بمائدة الفطور التي دعانا لها (واحد من الربع) لتناول الفطور بمعيته، لم يألُ مضيفنا جهدا في حسن استقبالنا، فأجزل العطاء وأعد لنا فطورا أثار حفيظة أحد المدعوين الذي خاطبنا بصوت عال قائلا: لاحظوا معاي (يا الربع) هذه السفرة العامرة بأشهى وألذ وأطيب أنواع الطعام، أخبرنا بوعبدالله عن مصادر هذه النعمة.
بدأ بوعبدالله صاحب الدعوة تلبية طلب الضيف بذكر بلد المنشأ لكل أنواع الأكل قائلا: هذا تمر سعودي من القصيم، وآخر من الأحساء، وهذا نوع ثالث أميركي المنشأ.
الشوربة كويتية، لبن عيران من لبنان، ماء زمزم من مكة المكرمة. في وسط السفرة (مچبوس) لحم (العيش) من بشاور في باكستان، أما الزيت المستخدم في طبخه فهو ماليزي، والبهارات من شرق الهند، (القنچه)، في وسط السفرة هناك أجزاء من خروف نيوزيلندي، مكونات (المرق) من لحم (طلي) أسترالي مضاف اليه صبار بحريني وقرع وبطاط أردني وطماط إماراتي، أما الزيت المستخدم فهو هنغاري.
هناك على الجانب الآخر من المائدة سمك مكسيكي مغطى بأنواع من الخل الأرجنتيني، زُيّن بلمسة تجميلية من الجبن البلغاري، أما الخضراوات الورقية مستوردة من جزر المالديف.
الكبة في آخر السفرة محشوة بالأرز الفلبيني مضاف إليها زبيب ألماني وقمح سويسري، ورق العنب محشو بالأرز البسمتي إندونيسي المنشأ، أما الفطر فمن أميركا اللاتينية وقطع صغيرة من لحم غنم صومالي، أما ورق العنب المستخدم فهو بلجيكي، هناك في طرف المائدة (كوسة) محشوه بأرز (سيلاني) مع قطع صغيرة مختارة من الديك الرومي من جنوب أفريقيا. أما المشروبات، فهناك أنواع منه عصير برتقال تشيلي المنشأ، وعصير (البيذان) من غرب الهند، أما الرمان الذي سنشرب عصيره فهو من إسبانيا.
تدخلت فجأة وطلبت من مضيفنا الاكتفاء بما قال موجها كلامي للجميع: دعونا نتذكر إخوة لنا مسلمين لا يستطيعون أن يجدوا ما يتفطرون به أو أولئك الذين يعيشون في مستنقعات الذل والهوان يدفعون أرواحهم ثمن العيش في عالم مجنون! أذكركم بقول الحق تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) صدق الله العظيم.