(شياب) اختاروا فترة ما بعد صلاة الفجر موعدا (لقعدتهم) وتجمعهم، وأصدقاء آخرون لهم اختاروا موعدا لجمعتهم عند ساعات الضحى، أما البقية من (الشياب) فاختاروا الفترة المسائية حيث تعمر دواوين الكويت بروادها.
هناك من الشياب من اختار طريقا آخر لحياته الجديدة، فلن نكتب عمن حوّل راتبه إلى حيث استقر في بلاد الله الواسعة، فهؤلاء لا متسع للحديث عنهم، نحن نقصد فئة أخرى منهم نطلق عليهم من باب الغشمرة «شياب»، قد لا يكونون كذلك لتمتع بعضهم بخاصية المرح والفرح والتفاؤل والفكر الشبابي، يملكون قلبا (أخضر) مفعما بالحيوية والحياة، تجربتهم الحياتية في الوظيفة ناجحة حتى تركوا العمل مجبرين بإحالتهم إلى التقاعد، لدى بعضهم مفهوم مغاير للحياة، وآخرون منهم اعتبر مرحلة التقاعد نهاية العالم، متغافلين عن أنها بداية لحياة جديدة تخضع لمفاهيم أخرى تنصهر بها خبرة الإنسان ودرايته عن الحياة وتجاربها، يستنبط المتفائلون منها حلو المذاق، تاركين علقم مرارتها للمتشائمين المكتئبين، يستمتع الواحد منهم بحرارة ولواهيب الصيف ويتغنى بأزهار ربيعها.
يشيع جنازة صديق له اليوم باقتناع راسخ بحقيقة القضاء والقدر وأن (هذا يومه)، مع احتمالية أن يكون الغد هو من يُصلى عليه، قناعة مسلم لا يزحزحها تشكيك خرافي بعلم علام الغيوب، أما المتكدرون منهم فانشغلوا بخط شهادة وفاتهم مرات ومرات وحملوا على عاتقهم هموم الدنيا ومن عليها وغرقوا في ظلام دامس فلا يعرفون للنور طريقا ولا للتفاؤل دربا ومنهاجا، وكأن عزرائيل يقف على أبواب غرفهم ليقبض أرواحهم، متناسين أن لكل إنسان أجلا مسمى، فيبرمج العقل على مفهوم الشؤم وتنقلب حياتهم الى جحيم انتظار في مستنقعات الحزن والكآبة.
نرجع الى شياب الفريج الذين اختاروا إحدى زوايا الفريج مقرا لتجمعهم، يتناولون القهوة العربية بشراهة المشتاق، فتبدأ على رائحتها السوالف وتبادل الحكايات من باب (التنفيس عن ضيقة الخلق) وتخفيف جراح مسيرة عمل زاهرة برزت بها ذواتهم وصقلت شخصياتهم، يرمي كل واحد منهم همومه على الآخر علّه يكون علاجا لحالة نفسية قد تصيبه ويصبح عالة على أهل بيته، فتحمل الزوجة المسكينة جل ثقل أحزانه ومتاعبه النفسية وتسكبها على علاقتهما ويتحول بيت العمر إلى جحيم لا يطاق، فعجوز المنزل هي الأخرى تنشد إنقاذها بعد أن أصبحت حياتها مختلفة بعد التقاعد، فإن كانت كذلك (فالحال من بعضه)، فهي الأخرى تحتاج إلى من يخرجها من أزمتها المضاعفة - كونها امرأة - إذا ما استعدت لمرحلة ما بعد التقاعد بافتتاح مشغل نسوي أو مشروع طبخ (مچابيس) وإلا فتبادل الآهات مع الزوج المتقاعد لا يجدي، لأن فاقد الشيء لا يعطيه! فضلا عن تغيير النمط الاجتماعي للبيت الكويتي بسبب استقلال الأبناء في بيوتهم الخاصة وزواج البنات وترك الوالدين المتقاعدين مع جيش الخدم الآسيوي (حق النجرة) ونشوب الخلافات بين الشايب والعيوز، لذا شجعوا الشياب على الذهاب الى دواوينهم في الفرجان لخلق حالة من الاستقرار المنشود لهم و.. لنا ولعيوز البيت!