يحيل القاضي أحيانا كثيرة ملف قضية «إيجارات بطلب زيادة أجرة» إلى أحد الخبراء للاستئناس برأيه حول مدى أحقيته بالزيادة سواء كان لمحل تجاري أو شقة سكنية، يدرس الخبير الدعوى من الجوانب الخاصة به وإذا أراد الأخير التعمق في دراستها يحيلها إلى ما يسمى (بخبير دراية) متمرس ذي خبرة طويلة بالسوق وأحوال الإيجارات ومدى تأثرها وخضوعها بالارتفاع وهبوط الأسعار بأنواعها فضلا عن الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد المتعلقة بزمان ومكان وتفاصيل المنشأة وفق معايير ومقاييس تحقق العدالة المنشودة.
في شهر أبريل من عام 2013 صدر القانون رقم 98 بإنشاء الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
هدفه حث ودعم الشباب الكويتي على التوجه للعمل الحر، ومحاربة البطالة وتمكين القطاع الخاص لتحقيق النمو الاقتصادي المأمول.
وخيرا فعلت الدولة ممثلة في هذا الصندوق وقيامه بإصدار الموافقات تلو الأخرى بمنح الشباب الدعم المالي المطلوب للنهوض بمتطلبات تحقيق أمانيهم وتطلعاتهم بالتحول الى تجار مهن صغيرة ثم تنمو لتكون أكبر فأكبر بأذن لله.
استبشرنا خيرا بهذا التحول الحضاري الرائع ولمسناه على أرض الواقع لتلك النبتة الأولى لغرس قوي عماده نقلة نوعية تحول شبابنا الى عناصر منتجة تساهم في تنمية مجتمعها وبلدها وفق أفضل المعايير الحضارية.
فتحولت أمكنة وشوارع ومبان وأسواق من (خراب) وعادة سيئة (لظاهرة بصق ألبان) الأسيويين الذين دهنوا به جدران وأرصفة هنا وأزقة هناك لتتحول بعدها الى تحفة معمارية مطرزة بجماليات الديكور وبراعة الرسومات الدالة على فنون وثقافة أهل الكويت حتى أمست قبلة للسواح فاختالنا شعور بالفخر لعهد جديد يقوده شبابنا بعدما قدموا مثالا رائعا للجد والاجتهاد والمثابرة ليمتد اهتمامهم إلى صيانة الساحات المحيطة بمحلاتهم حتى غدت تحفة للناظرين، لكن وبعد مرور أشهر قليلة التفتنا يمينا ويسرا واذا بتكرار المشاريع (مقهى ومطعم، مطعم ومقهى، مقهى ومقهى ثم مقهى ومقهى) حتى وصل عددها إلى نحو 111 ألف مطعم ومقهى في الكويت (إحصائية 2018)، يعني بلغة الأرقام هناك مطعم واحد أو مقهى واحد لكل 41 شخصا، وأن واحدا من بين كل 12 مواطنا يملك مطعما أو مقهى.
انتشرت بمناطق وضواحي البلاد بعضها تمت الموافقة عليها وعلى تخصيص موقعها دون الأخذ بعين الاعتبار قيمتها السوقية ومدى توافر متطلبات النجاح المأمول منها، فهناك مواصفات ومقاييس للمحلات يجب توافرها لتتمكن من جذب الزبائن والنجاح في التسويق المطلوب ومن ثم تحقيق الأرباح، لكن ونتيجة لما حصل (توهقوا عيالنا) المتحمسون المتجردون من أية خبرات تنقذهم من الفشل الذي وقعوا فيه لينطبق علينا المثل القائل (لو كل من جاء ونجر ما ظل بالوادي شجر) فوقع الفأس بالرأس ووقع المحظور وأغلقت أغلب مشاريع المقاهي والمطاعم لتترجم فشلا ذريعا لمثل هذه المشاريع والمصيبة، حتى مشروع إعداد وبيع (الأچار) الكويتي، و.. (لازال الحبل على الجرار)!! والأسباب بسيطة، فالمطلوب انتداب نفس (خبير الدراية) الذي كتبنا عنه في صدر مقالنا هذا (بمسمى مناسب) لتعرض عليه المشاريع لدراستها ويدلي برأيه حول مدى أهميتها ونجاحها وفق معايير ومقاييس السوق المحلي وصلاحيتها لهذا الزمان وذاك المكان، وهل تصلح القهوة الـ (modern) في سوق الجت؟ و(بالمرة) مدى صلاحية مشروع (بستوك الأچار) على أرفف جمعياتنا كفكره جديرة بالاهتمام وبأقل التكاليف؟ لكن ليس لكل مجتهد نصيب، فالدعم المادي قوي جدا والميزانية غير مسبوقة، لكن منحها بهذه المنهجية تحتاج وقفة وإعادة تقييم حتى نتجنب أزمة مناخ جديدة!