كتبت قبل أشهر مقالاً بعنوان «من الأردن الى الكويت زحفاً» عن قصة ذلك العجوز الهرم الذي كشف عن حقيقة لا يمكن تجاهلها، أختزلها بما هو آتٍ.
عندما كنت أهمّ بشراء جريدة كويتية من أحد محال البقالة في شوارع العاصمة الأردنية عمّان، اقترب مني هذا «الشايب» سائلا: حضرتك كويتي؟ قلت: نعم.. قال «دون أي مقدمات»: أقسم بالله العظيم لو اشترطت عليّ السلطات الكويتية بأن آتي للكويت زحفاً من الاردن مقابل منحي «كرت زيارة» لفعلت وبطيب نفس.
قاطعته: ليست الكويت من تشترط بذلك! أكمل يا عم: كنت أحد الوافدين الذين عاشوا في الكويت ورزقني الله أبناء جلهم مهندسون وأطباء ذوو شهادات عليا وآخرون تجار.. الخ، حتى آخر المقال، سرد علي شريط ذكرياته وحياته التي كانت بالنسبة له كالعيش بالجنة (وفق تعبيره) ثم بكى بحرقة وانصرف بعد أن احتفظ هو بذكرياته واحتفظت أنا بذكراه لأستحضرها اليوم، لقد كان بمثابة «شاهد عيان» قدّم لي العديد من القيم الانسانية المرتبطة بالكويت والكويتيين، وبتاريخ حافل في سجل تعاملنا مع كل من وطئت قدماه الكويت بحثا عن الرزق الحلال.. لنأتي اليوم ونعمل على هدم ذلك التاريخ والقيم المرتبطة به وبأعمالنا وبعلاقاتنا بأناس يعتبرون الكويت والكويتيين غير عن سائر البلدان والبشر في الانسانية وفي الحب والأمن والسلام والأمان والعدل والتسامح، ولازلنا نهدم كل هذا بحجة تعديل التركيبة السكانية ليطال من وصلوا من العمر ستين عاما دون محاسبة من آتى ببعضهم بطرق ووسائل غير قانونية.
يختص مقالي اليوم بكل من أصبح في صفوف الخبراء أو لامست معرفتهم ودرايتهم تصنيف الخبير أو من ذوي الكفاءة واكتسبوا المهارات والقدرات الفذة التي خلقتها لهم الكويت وجعلتهم متميزين منفردين عن نظرائهم في الأمصار والبلدان الأخرى ليخدموا الكويت ومن يعيش على أرضها.
أهلناهم وصقلنا مواهبهم ونمينا قدراتهم حتى بلغوا من التميز والانفراد ما بلغوا، صنعتهم بيئة الشغل والعمل الكويتية الرسمية منها وغيرها ثم نقول لأمثالهم.. الكويت تتعذركم، اذهبوا للدول التي ستتلقفكم بردا وسلاما، بتلهف بالغ الفرح، وبشغف لا حدود له، فالكويت اختطت منهاجا جديدا لتصدير خبرائها لمن يعرف قيمتهم المعرفية وثقلها في ميزان الطب، السياسة، العلم، المهن بأنواعها، الفكر بإبداعاته، الثقافة، الرؤى بأنواعها، التخطيط، التخطيط الاستيراتيجي، التشخيص، العلاج، الانجاز، التنمية بجل تصنيفها والتطوير بأنواعه.
لا أتحدث عن من أصبح «عالة» علينا ويشكلون عبئا على نهضتنا وتطورنا وسمعتنا بل أتحدث عمن وصل معنا ولنا لدرجة عالية من المعرفة والدراية بمجال عمله وصرفت عليه الكويت الكثير فأعطته الخبرة ومنحها التعمير والإنجاز، ليس لدي صديق وافد ستيني أدافع عن بقائه، لكني لست من المتنكرين لدورهم ولأمثالهم من الخبراء والكفاءات وأصحاب الحرف والصناعات ممن علمونا ودربونا ونهلنا منهم ولازلنا، صحيح أن بعضهم (نحيس ما يعلم الكويتي من خبراته) الا أني (نحيس) ولا أوافق على تصدير خبراتنا ممن بلغ ستين عاما لغيرنا من الدول ليستفيد من عصارة ما أنجزناه في صناعة البشر بعدما اعترفنا بكنوز معرفتهم وعمق خبراتهم المهنية وغيرها كي يستفيد منهم غيرنا.