التاريخ هو خلاصة الحراك الإنساني لتحقيق طموحات بشرية مشروعة أو غير مشروعة، بعض من تلك الطموحات يرى النور ويتحول لمنارة للأجيال القادمة وبعضها الآخر يظل سوطا يعذبها وعارا يطاردها، فتاريخ المجتمع هو محصلة الصراع فيه ما بين خير وشر، عدل وظلم، غنى وفقر أو بالأحرى برجوازية وبلوريتاريا، حرية وعبودية، نظام وفوضى، تعبير وقمع، ورأسمالية واشتراكية. ولذلك نجد أن المواطن في اي مجتمع هو نتاج طبيعي للفكرة السائدة فيه والتي كانت لها الغلبة في الصراع ـ حتى مرحليا ـ فتصبغ شخصيته بصبغة مجتمعية تحدد سلوكياته واتجاهاته ومفهوم العمل لديه وآليات وأدوات النجاح وقدرته على الإنتاج.
فإن كانت مجموعة الأفكار السائدة في المجتمع هي الحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون كانت المحصلة مواطنا حرا ولبنة بناء وساعدا من سواعد التنمية، مواطنا ملتزما بالقانون خاليا من الأمراض الاجتماعية مثل الغل والحقد والحسد، أما إن كانت الغلبة للفساد بمختلف أشكاله، الفوضى والطبقية والواسطة والمحسوبية فتكون المحصلة مواطنا هو معول هدم في جدارية الوطن، خائفا، ذليلا، عاجزا عن التعبير عن رأيه لأنه يؤمن أن لجدران بيته أذانا، يفتقر للطموح لأنه على يقين أن عينه لا يمكن بحال من الأحوال تعلو على الحاجب وأن الماء لا ينساب للأماكن العالية، فوضويا يكره النظام وسيادة القانون لأنه تربى على أن من له ظهرا لا يمكن أن يضرب على بطنه، ويكون أقرب للشر من الخير، يميل للفساد بعيدا عن النزاهة، ضعيف الإنتاجية، أنانيا متبلد المشاعر وتحركه الأهواء ومن السهل جدا شراؤه من الخارج قبل الداخل بكل ما تحمل الكلمة من معان.
مجتمعاتنا هي محصلة الأفكار السائدة فيها ومواطنونا تجسيد واقعي لما نؤمن به من مبادئ، إلا أن المؤسف في الموضوع أننا لا نستطيع الهروب من ذاكرة التاريخ ولا محوها لا بعين المحب ولا بتربص الكاره.
ولكن السؤال الأهم هل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل يعيد نفسه بالكيفية التي حددها كارل ماركس في مقولته الشهيرة «التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة»؟
أطمأن عزيزي القارئ ففي بلادنا يعيد التاريخ نفسه بنفس الحوادث ونفس الشخوص وإن تغيرت الأسماء، في بلادنا أنت في ايد امينة، فلا حاجة لمراجعة كتب التاريخ، فما فاتك من الممكن أن تدركه بل وتشاهده رأي العين، فمن لم يشهد ثورة 1919 وسمع عن التوكيلات التي جمعها المصريون لسعد زغلول تمكن من التوقيع على استمارات حركة تمرد لإسقاط نظام الإخوان، ومن كان يأمل في أن يعيش حقبة حفر قناة السويس وما صاحبها من زخم تاريخي كتب له أن يشهد حفر قناة السويس 2، ومن ولد بعد ثورة يوليو 52 استطاع أن يشهد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ومن انتابه الحزن لوصف الإعلام المصري لثورة 25 يناير بأنها مؤامرة قام بها الطابور الخامس الممول من الخارج فعليه ألا يحزن فثورة 1919 وصفها نفس الإعلام بنفس الأوصاف حسب مذكرات العالم الأزهري الشيخ عبدالوهاب النجار عن وقائع ثورة 1919 «الأيام الحمراء»، ومن تمنى أن يرى مشروع محور قناة السويس النور وحزن لأن مرسي لم يتمكن من تنفيذه شاء القدر أن يعايش بدء تنفيذ نفس المشروع والذي ينسب في الأساس إلى حقبة مبارك.
خلاصة الكلام
تاريخنا وتاريخ الامة العربية يعيد نفسه بنفس المشاهد ونفس الأحداث ولكننا لا نتعلم ونكرر نفس الأخطاء... دمتم بألف خير.
[email protected]