كنت في زيارة لشقيقي في أحد المستشفيات الحكومية، وبينما أسير نحو الجناح الخاص به، فإذ باثنين من رجال الشرطة يقودان سجينا مطأطئ الرأس ومكبل اليدين بالقيود! والمارة من الناس بعضهم يسترق الأنظار إليه، والبعض بانت في عينيه نظرات الأسى والشفقة، كنت أنظر لهذا المشهد وكأنني في فيلم حزين!
سرحت بخيالي وإذا بي أدخل جناحا غير الجناح الخاص بشقيقي ولم أصدق عيني عندما رأيت شرطية امرأة جالسة عند باب إحدى الغرف الخاصة وهي ممسكة بهاتفها النقال، لم أصدق ما أرى! قبل قليل شرطيان وسجين والآن شرطية وهنا سألتها بكل فضول (لو سمحت حضرتچ موجودة لحراسة الجناح؟) بقصد هل هو قانون جديد؟! ولكنها أجابت (أبدا في سجينة في هالغرفة وأنا موجودة لحراستها)! شكرتها وأثنيت على عملها وخرجت من الجناح مسرعة نحو جناح شقيقي وكلي ذهول مما رأيت.
شعرت بكثير من الأسى وأنا أرى تلك المشاهد في يوم واحد وفي بلدي الكويت!
ماذا لو كان هذا السجين وهو يسير قد قابل أحد أقاربه، أمه، أباه، أخاه، ابنه...الخ؟! ماذا لو كانت إحدى القريبات هي من تجاور تلك السجينة في حجرتها؟!
لماذا نرى ويرى أبناؤنا الصغار تلك المشاهد المؤثرة في أماكن عامة مثل المستشفيات؟!
إن المشهد الذي رأيته ترك في القلب غصة وجالت الأفكار الكثيرة في خاطري وجعلني أردد في نفسي (هل نحن حقا في بلد الإنسانية)؟! هل يعقل وقد قطعنا عشرين عاما من الألفية الثالثة ومازلنا نرى مثل هذا المنظر اللاإنساني؟!
إن ما رأيته وضع يجب ألا نراه في بلد مثل الكويت، وعندما نقول إن الكويت مركز للعمل الإنساني فيجب علينا أن نعي تماما بأنه يجب ألا نربط الإنسانية بتقديم المعونات والمساعدات المالية فقط، ولكن يجب أن نوفر كل احتياجات الأمن والأمان لكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة، وأن نتعامل معهم بما تتطلبه الإنسانية منا.
لقد نجحت الحكومة الكويتية في توفير المستشفيات الميدانية في غضون أسابيع، وذلك لمواجهة الوباء العالمي كوفيد - 19، بل وجندت وسخرت كل إمكانياتها الطبية لذلك، فهل نحن عاجزون عن بناء مستشفى خاص بالسجون ومتكامل من كل التخصصات الطبية ويشمل أسرة طبية كافية؟! خاصة وأن القليل من أصحاب السجون هم من يحتاجون الرعاية الطبية في بعض الأحيان!
إن السجون تضم أشخاصا كثرا وقد يكون بعضهم ضحايا لآخرين هم خارج السجون، فمن المؤلم حقا أن نضعهم فيمثل هذه المواقف المحرجة والمؤلمة للنفس، كان الله في عونهم وعون أهاليهم وذويهم، ويجب على المسؤولين مراعاة ذلك، فالتلميذ الصغير في المدرسة يتألم عندما يؤنب ويوبخ أمام زملائه! ويأتي والداه شاكين سوء المعاملة، فما بالك بالأب أو الأم وهو يساق مكبل اليدين في مكان عام قد يرى فيه ابنه أو زوجته أو أحد أقاربه ليتلقى علاجا طبيا!
لنبحث عن العلاج النفسي والإنساني قبل العلاج الجسدي، لنبحث عن الإنسانية في بلد الإنسانية!
ومنا إلى المهتمين والمسؤولين في الدولة.