رغم كل كتاباتي ومقالاتي، إلا أنني عندما هممت بكتابة هذا المقال ترددت كثيرا وتبعثرت الكلمات في تفكيري، بل أي كلمات ستصف حال هذا المقال..
إن فاجعة الموت، فاجعة لا يعتاد عليها أي قلب، ومهما صغرت مشاعر الحزن مع الأيام، إلا أن ألم الفراق يبقى غصة في القلب، وكلمات الرثاء بذاتها تحمل ألم الفقد ومشاعر الحزن، فما بالك عندما يكون الرثاء في العضيد الجسور، الأخ النصوح، الوالد الحنون، كيف لي أن أرثي عضيدي وأخي ووالدي ووالد أبنائي!
شقيقي الغالي (أبو فهد) ها هي الأيام تسارعت ومر شهر بأكمله على رحيلك وكأننا في حلم لم نستيقظ منه بعد، فأنت تعيش بيننا بكلماتك ومواقفك ومكانك، لم تكن مجرد أخ ولكنك عضيد اشتدت سواعدنا به عند رحيل والدنا، رحمه الله، فكنت سندا وعونا لوالدتنا، رحمها الله، كنت أخا ناصحا لنا كلما واجهتنا عثرات الزمن، حرصت على استكمال تعليمنا ودعمنا وتعزيز ثقتنا بأنفسنا، كنت تفخر بإنجازاتنا في مناصبنا الوظيفية، فكلما سمعت كلمات المدح والثناء أو رأيت صورة أحد منا في الصحف أو الإعلام بادرت بالحديث عنها والاعتزاز بها واحتفظت بنسخ منها وكأنك تحتفظ بتاريخ حياتك، لم نشعر بأنك أخ فقط بل كنت الأب الذي يفخر بإخوته وكأنهم أبناؤه، الأب الذي رأى نجاحه في نجاح إخوته قبل نجاح أبنائه، سعيت للحفاظ على روابط الأخوة بيننا وكنت تتنازل عن الكثير مقابل وحدتنا وبقاء أواصر أخوتنا، تعلمنا منك الإيثار والتضحية في كثير من المواقف، وعشنا معك لآخر يوم في حياتك معنى (البيت الكبير) و(زوارة الخميس).
أما أنا شخصيا، فإنني أحمل لك الكثير، حيث كنت لي بمنزلة الأب بعد رحيل والدي، رحمه الله، وأنا في عمر لم يتجاوز 14 عاما، وكنت أباً لأبنائي بعد رحيل والدهم، رحمه الله، وأكبرهم لم يتجاوز 8 سنوات، عشت معك أختاً معززة مكرمة، وغرست قوة علاقتك بي في قلوب أبنائك، فأصبحوا إخوة لأبنائي، بل تجاوزت المشاعر أواصر الأخوة، فأصبح بيتك يضمنا أسرة واحدة نعيش معك اللحظات ونتبادل النقاشات ونتحاور في أمور عديدة، فتعلمنا منك أدب الحوار ومعنى التسامح في ذروة الغضب ومعنى العفو عند الظلم، وقوة اتخاذ القرار الذي يحمل الخير للجميع دون أن يتضرر منه أحد.
ولن أنسى دعمك وتشجيعك ومساعدتك لي أثناء فترة الغزو الغاشم لإصدار النشرة الوطنية والتي حملت اسم (صوت أبناء جابر الكويت)، حيث كنت تغرس في نفوسنا دوما ماذا يعني الوطن للإنسان.
مهما تحدثت عن مآثرك وما تعلمناه منك لن أوفيك حقك، ولكن هذه هي سُنة الحياة، فنحن أمانة أنزلها الله للدنيا ولكل منا أجل مسمى، وعزاؤنا برحيلك هو تحملك لألم المرض الذي داهم جسدك وصارع خلايا جسمك، ولكن بقيت روحك الطيبة لآخر لحظات حياتك، عزاؤنا برحيلك ذكراك وسيرتك الطيبة بين الناس وكل من عرفك قريبا كان أو غريبا وتعامل معك، عزاؤنا برحيلك هو ما كنت تقوم فيه من أعمال الخير وقضاء حوائج الناس بالكتمان والتي عرفناها منهم بعد رحيلك، عزاؤنا بعد رحيلك هو الإرث الطيب من السمعة الحسنة والأخلاق الطيبة التي زرعتها فينا وفي أبنائك وأبنائنا والتي سنسعى أن تكون منهاجا لنا في تعاملات حياتنا، وأن نرى أبناءك خلفاً لك ويكون كل منهم (الولد الصالح الذي يدعو لك).
نسأل الله أن يرحمك ويغفر لك ويجعل كل وخزة إبرة أو ألم أجراً لك، ويجعل قبرك روضة من رياض الجنة ويسكنك فسيح جناته..
و(إنا لله وإنا إليه راجعون).