شهد العالم خلال العقدين الماضيين تطورا علميا وتطبيقات تقنية مكثفة ومستحدثة في شتى مناحي الحياة، لاسيما تلك التي تتعلق بالاتصالات، ولا ريب في ذلك، اذ ان خالق الخلق، والذي شدد على اهمية العلم والبحث العلمي قد بين لنا ان ما اوتينا من العلم الا النزر اليسير من قدرته وملكوته.
جيد ان تلك الطفرات العلمية لم يكن لنا كعرب او مسلمين مساهمة او مشاركة البتة في التطورات العلمية للاسباب التي ذكرناها في مقالات سابقة، فأصبحنا وأضحينا وأمسينا سوقا لهذه المنتجات، يحدد اسعارها وكيفيتها وماهيتها وسبل تطويرها المنتجون لها، وهم غالبا في الدول الغربية، فنحن فقط نتفاخر بأننا اشترينا جهازا ما ثم بدلناه بجهاز اكثر تطورا، ونستخدمه ونحن ما ندري وين الله حاطنا، مستهلكين لما يتعطف علينا به الغرب ودول اخرى تملك زمام وناصية التطور، فغدونا امة تقاد بعد ان كنا امة تقود، ومن عجائب وسخريات الدهر ان انتشرت بيننا ظاهرة «التخوف من ان يفوتك اي شيء» في وسائل الاتصال الاجتماعي، لاسيما الهاتف النقال، ويزداد الامر سوءا عندما يضطر احد بني يعرب ان يترك نقاله لفترة، وحال لسانه يقول: عسى ألا يفوتني خبر خارجي، والاهم الداخلي وانا بعيد عن الساحة، ويخشى ان تكون قد وصلت له رسالة وهو يعتقد انها مهمة وقد تأخر في تسلمها! أبعد ذلك سخرية من قوم مستهلكين؟! ولبيان مدى ضياع اوقاتنا فإن الدراسات تشير الى اننا نستعمل الهاتف نحو 90 مرة يوميا.
لا غرو ان لوسائل الاتصال الاجتماعي فوائد جمة لمن يستحسن استخدامها في التعرف على امور بعيدة عنا وواقع غير ملموس، وفي الحصول على معلومات.. الخ، الا اننا قوم تابعون، ولا نستطيع الا ان نتباهى بشرائنا لهذا الجهاز او ذاك، ونواجه بعضا من المثالب الناتجة عن سوء استخدام وسائل الاتصال الاجتماعي.
ففي سنوات تحضيري لدرجة الدكتوراه، درسنا مقرر «نقل وتقييم التكنولوجيا والمعرفة العلمية»، وفيه يحدد المقيمون المستوردون «التقنية خارجية» او المستخدمون الداخليون «التقنية مطورة او جديدة في ذات البلد»، تأثير استخدامها على المناحي الاقتصادية والبيئية والمالية والاجتماعية النفسية.. الخ، ليتسنى لهم رفض او استخدام التقنية بمحاذير.
نسرد أدناه بعض مقالب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في دولتنا، والتي لو تم الحد منها او التغلب عليها لتمت الاستفادة التامة:
٭ في المجتمعات الاخرى، لا ضير بأن يعيش الاشخاص بمفردهم بعيدين عن التجمع، بيد ان استخدام هذه التقنية في الكويت جعلت الكل تحت سقف واحد، قد لا يكلم والديه او اشقائه ليوم او اكثر، ويصبح الواحد منهم كالاطرش في الزفة، ولقد شاهدت عائلة مكونة من اربعة اشخاص يتناولون الغداء لم يتكلم احدهم مع الآخر، وكلهم مشغولون بهواتفهم النقالة، وهذا لا ريب امر معيب، وهناك غلو في نقل الاخبار الشخصية ونشرها حتى ان الشخص عندما يسافر يرسل كل شاردة وواردة، ما قد يسبب الضغينة او التأفف او الحسد لمن لا يستطيع الحصول على ما حصل عليه ذلك الشخص، او ان يكون في ذات الاماكن التي يقيم فيها.
٭ المبالغة في نقل الاخبار، لاسيما للمشهورين، لأمور قد لا تهم المتابعين، وهناك وللأسف من يستغل هذه التقنية لاصطياد الفتيات والشبان بمواقف لابتزازهم في مرحلة لاحقة.
٭ انتشار ظاهرة التخوف من فوات الاخبار او المشاهد، وذلك عندما يكون الشخص مشغولا ويترك جهازه لفترة لاسيما ان كان قد أُرسل اليه خبر او صورة لا يريد فواتهما.
٭ الاستخدام المتكرر اليومي لهذه الاجهزة تسبب، وبالتأكيد، في اعراض طبية قد تتحول لاحقا الى امراض، ناهيك عن المخاطر الناجمة عن حوادث السيارات اثناء انشغال السائقين باستخدام الجهاز او للرد على مكالمة او تسلم رسالة.
٭ عندما يفقد الشخص جهازه يصيبه الهلع والخوف او ما يسمى «فوبيا الابتعاد عن الناس والاحداث».
فعلينا كأمة عربية مسلمة ان نستخدم التكنولوجيا والمعرفة العلمية لتطورنا وليس للقلق والابتعاد والنكوص.
[email protected]