- سجّانوه لم ينصفوه في كبره فأضاعوا سبع سنوات عجاف من عمره في زنزانة سجن تركي
- حوّل أسره وسجنه إلى نصر عربي إسلامي بعد أن رفع راية التوحيد والجهاد في سبيل الله
- ذهب راكان بخيره وعلمه وورعه عند ربه بعد أن ساح في مجاهل الصحاري مسامحاً كل من قصّر في حقه غير لائم أو معنف
- أبياته الشعرية ليس فيها تمتمة أو خنخنة أو فأفأة وفصاحة لسان العرب نسبت للعجمان من بعده
وايم الله، لو قرأت حرائر العرب من النساء الحوامل قصة وبطولات وتاريخ البطل الفارس الشاعر راكان بن حثلين لا سمت جميعهن احمالهن بعد الوضع «راكان».
في هذه الاستراحة سأعرض قصة هذا البطل الذي تغنت به البطاح والصحاري والقفار والواحات، نعم سأعرض قصة من ظلمه التاريخ وأعجزته الجغرافيا، وظلمه سجانوه الذين لم ينصفوه في كبره، فأضاعوا 7 سنوات عجاف من عمره بعد ان قبضوا عليه في تخوم الأحساء وعبروا به البحر، ووضعوه في زنزانة بعد اتهامات ليس لها رصيد من الصحة، فأضاعوا عمره في غربة «لا ناقة له فيها ولا جمل» سجينا في «زنزانة حبس» رهين الاقامة الجبرية والقهر فاقد قومه وعشيرته ومرابع صباه، وعندما اشتعلت الحرب بين المسقوفين الصرب والاتراك واذن مؤذن الجهاد «حي على الجهاد»، ظهرت نخوة هذا المسلم الموحد، وصارع زعيم الصرب الأسود الضخم وجندله بسيفه وفرسه التي عسفها ودربها وروضها، ولهذا كله قصة عجيبة أعرضها في استراحة هذا الاسبوع ليقف القراء على بطولة فذة لنجم ساطع في سماء الفروسية والبطولة والاقدام والشعر، حيث غدا اليوم راكان بن حثلين رمزا عربيا ليس خاصا بقبيلة العجمان وحدها وإنما فارسا مغوارا يُضرب به المثل في كل اصقاع الأرض بعد ان ذاع صيت هذا الفارس وما تركه من موروث لأهله وقومه من شعر واسرار ومعارك وبطولات ضمنت له المحبة في قلوب عشاقه ومحبيه على امتداد الاوطان وفي صفحات التاريخ الذي حول «أسره وسجنه وضعفه» الى «نصر عربي اسلامي»، فرح به كل من يرفع راية التوحيد الخالدة «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
في استراحتي هذه سنتوقف لأخذ العبر من سيرة هذا البطل الذي دخل التاريخ من اوسع الابواب ومازالت سيرته على كل لسان رغم الظلم البين في تناول سيرته وانجازاته وتاريخه المجيد، اترككم للاستمتاع بقراءة شاعر وفارس وشيخ العجمان راكان بن حثلين الرجل الذي قهره الزمان وانهكته الحروب واتعب بشجاعته وبسالته القبائل والاتراك والدول وعلى بركة الله نبدأ..
راكان آل حثلين
ان الباحث عن الحقيقة في تاريخ ما يحتله الشاعر والفارس الشيخ راكان بن فلاح بن حثلين من مكانة وسمعة يجدها في الكتابات عن هذا الشيخ الذي ذاع صيته في كل الديار والبوادي العربية ورغم موته وغيابه فلايزال هناك الكثير من المعجبين يتغنون ببطولاته وقصصه واشعاره التي حفظت في الصدور والذاكرة قبل الكتب والمؤلفات، وهناك الآلاف يتسمون اليوم باسمه ولا يعرفون تاريخه وبطولاته وسيرته.
ذهب راكان بن حثلين الى خالقه بعد أن استرد أمانته، وظل اسمه مرتبطا بالبطولة والمواقف الشجاعة وستبقى الصحراء وهي المكان الذي عاش فيه تذكره وتعدد مناقبه واخلاقياته وشعره من خلال عرض الحوادث التاريخية وما كتبه الرواة والموثقون والمؤرخون للتاريخ، وانا سأحاول ان اتناول محاسنه للاقتداء بها وليأخذ منها المدونون ما ارادوا بعيدا عن مزلقات تزييف الحقائق في النصوص بحسن القصد وامانة الكتابة العلمية والجفاء في التعبير او الجنف في العبارة ما لا تقع تبعيته على ناقله، بل على قائله، وهذا يعني باختصار اننا امام بطل حقيقي وان اختلفت حوله الرؤى والرواة.
ذهب راكان بخيره وعلمه عند ربه بعد ان ساح في مجاهل هذه الصحاري ومتاهاتها، مسامحا كل من قصر بحقه غير ملوم او معنف إلا من أراد الحقيقة وأفاد التاريخ.
الدهناء والصمان
إذا قلنا ان الصمان والدهناء هما من احب المناطق للشيخ راكان بن حثلين لم نجانب الصواب لأن هذا ثابت في أشعاره او قصته مع الاتراك.
وهذه الصحراء الممتدة التي ولد فيها وتربى راكان بن حثلين بامتدادها الهلالي المحاذي لمياه الخليج العربي، ومن هنا لربما اشتق العرب القدماء اسمها من الدهن باعتبارها افضل الجهات الصحراوية، وهي معروفة بأنها مرعى الشتاء والصيف لأنعام القبائل من غير العجمان الذين تمركزوا فيها وما حولها من تخوم في الايام الغابرة لوجود السيول وبالتالي المياه مما يعني الحياة للنسل والحرث.
وقد كتب المستشرقون من الغرب الذين توافدوا على الجزيرة يذكرون مقولة رائعة (اذا اخصبت الدهناء اربعت العرب جميعا). وهذا يعني 3 اشهر من شهور السنة الصحراء تخضر وتزهر للرعاة وسكنة الصحراء.
اما الدهناء وهي (الحبال) فهي كثبان الرمال التي هي امتداد لهضبة نجد ومعدل ارتفاعها عن سطح البحر 1300 قدم وهذا يعني تميزا بالجو، خاصة بوجود 7 أحبل من الرمال مما يعني كنوع من الكلأ وهذا كله باختصار مكان مثالي للربيع الصحراوي مما جعله أحلى مكان في ذهنية «راكان بن حثلين» وكل ما يحيط بها من أماكن مشهورة مثل «الصلّب» المتاخم للصمان والدهناء والمبرز التي ارتبط اسمها بحجاج الاحساء الأوائل الذين كانوا يقدمون من منطقة الهفوف ثم عريعرة وهي مكان فيه آبار مياه حلوة لبني ربيعة وطريق هجرات العجمان في الوادي الذي يشمل مليحة، الزغين، الكهفة، الونان، العيينة، حنيد، شعبة، متالع، عريعرة، ام ربيعة، الصرار، جودة، الصحاف، القليب، مغطي، دليما، غنوا، العقير، خريقة، وزرنوقة، وهي في معظمها أماكن رعي في مواسم الأمطار، وكنت كلما ركبت سيارتي وذهبت الى النعيرية تخيلت كيف كان راكان يصول ويجول في كل أنحاء «الستار» والوادي وإذا وصلت «جوده» تذكرت فرسان الضاعن ودعوت لهم بالرحمة.
في هذا الوقت من الزمان يوم ما كانت القبيلة تمثل «أمة» وعصبية تقوم على الأحلاف والنسب، ويوم كانت القبائل تبحث عن الماء والكلأ باستمرار فتقع المعارك والغارات «ولد» راكان بن حثلين ووجد نفسه زعيما تلتف حوله قبيلته لكفاءته وسجاياه ليقودهم نحو النصر خاصة ان به الصفات المثلى من شجاعة وغنى وكرم وحلم وعدل وكثرة الأنصار وسداد الرأي والحنكة، والشاعرية التي أضفت عليه رمزية لأن أشعاره كانت تذكر في كل المجالس شراسة هذه القبيلة التي قادها راكان بن حثلين وهو في سن الـ 46 عاما وتوفي في العام 1892م بعد ان حكمها 35 عاما وهي تواريخ تقريبية.
قصته مع الترك
هناك اكثر من رواية عن خطف أو أسر الشيخ راكان بن حثلين من قبل الأتراك وكلها مذكورة في كتاب ألفه أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري واسم الكتاب: «العجمان وزعيمهم راكان بن حثلين» وقدمه الشيخ العلامة الأستاذ حمد الجاسر علامة ومؤرخ الجزيرة العربية ووافق على ما فيه من معلومات، وآخر هو كتاب من جمع واعداد الأستاذ يحيى الربيعان بعنوان راكان بن حثلين شاعر وفارس وشيخ العجمان.
الرواية الأولى: «أقض راكان مضاجع الأتراك، وأقلق راحتهم، ولم يهدأ لهم بال أو يطيب لهم حلو المنام حتى قبضوا عليه لخيانة بعض أعدائه»!
الرواية الثانية موجزها: ان الأتراك سايروا «راكان» وهو في سوق الجلب بالاحساء، وليس معه من قومه سوى رجل واحد اسمه دهام فتابعوهما خارج البلد حتى اختطفوهما واركبوهما في البحر عن طريق الجبيل.
ورغم ان هناك اختلافات في التواريخ والأحداث غير ان كثيرا مما كتب عن الشيخ راكان بن حثلين هو الأقرب للصواب لأنه بالفعل بطل حقيقي أوصلته فروسيته الى الانتصار، واحترام أعدائه له رغم كبر سنه وفي هذا ايضا وقفات لوجود اسمه في سجلات الأتراك ووروده باسم «محمد راكان» ولعله لم يخبر الأتراك باسمه كاملا او يكون تيمنا باسم «محمد» صلى الله عليه وسلم وتبركا كعادة القوم.
شاعريته في الأسر
عندما تلاطمت الأمواج وهو مأسور من دياره ومحبوس ومحتجز في ظلمات البحر قال لأخيه رفيق دربه «دهام» الذي اختطف معه من محيط الأحساء ليركب معه «سفينة الأسر» نحو تركيا وكعادة البدو الذين لم يعتادوا على «أمواج السفينة» وتقلبات أمواج البحر وما تتركه من أثر صعب، هاج وماج دهام واستنكر الأمر مما جعل الأتراك يلقونه في البحر أمام عيني أخيه الشيخ راكان بن حثلين لأنهم ليسوا بحاجة الى أسير ليس لهم به «حاجة مثل صاحبه، رغم رجاء الشيخ راكان» أن يرجعوا صاحبه الى البر.وهنا تبرز شاعرية هذا الشيخ البطل الشاعر مرهف الحس قائلا:
عقب المعزة صار كنا دراويش
الكل منا خبزته في يمينه
لا عاد لا قهوة ولا عاد به عيش
ولا عاد به فطحة خروف سمينه
واضح الشعر كلماته تنطق عن معاناة حقيقية لطير حر جبل على الحرية والقهوة العربية ولحم الخروف.. صورة بليغة من راكان.
بطولة سجين
في غرفة صغيرة لها نوافذ، قضى الشيخ راكان بن حثلين 7 أعوام ثقيلة أوهنت عظمه، ولم تنل من عزيمته، وشاء الله عز وجل ان تظهر بطولة هذا السجين العاجز من وراء القضبان، وهكذا تم تصوير المنظر التاريخي، في خارج أسوار السجن حرب ضروس تدور بين الأتراك والصرب، معركة رهيبة وبين صفوف الصرب «عبد أسود كالعملاق الهائل» يصول ويجول ويجندل فرسان الأتراك حتى أعيا الأتراك أمره لشجاعته وقوته، وهنا طلب الشيخ راكان بن حثلين من قيادة السجن مبارزته ولكن كالعادة لم يلتفت لهذا الطلب لعدم التكافؤ بين الشيخ راكان بن حثلين المسجون وهذا الفارس العملاق المرعب والذي ينتمي للمسقوفين الصرب.
أما شيخنا راكان بن حثلين، رحمه الله، فقد ظل يكرر طلبه ويلح فيه حتى وافقت القيادة وأخرجته فماذا فعل هذا الفارس النبيل وكيف أسر أو قتل زعيم المسقوفين الصرب؟!
انتفاضة الأسد
ما ان خرج الشيخ راكان بن حثلين من سجنه حتى طلب مهرة (فرس) وظل يدربها على طريقته الخاصة كفارس (والخيل تعرف ركابها) ومضت أيام وهو منهك في تدريب فرسه، ثم نزل الى الميدان فخرج اليه العبد الأسود وعيناه يتطاير منهما الشرر من هذا الذي جرؤ عليه ويطلب منازلته، فما هي إلا جولة أو جولتان وراكان الفارس المقدام يزمجر كالأسد المنتفض من عرينه حتى انقض كالأسد على عدوه الصربي كالعقاب الكاسر النازل من علٍ فاختطفه من على سرجه واقتاده أسيرا وفي رواية قتله، فتعجب فرسان الترك وقادتهم لشجاعة هذا العربي والتف الجند من حوله معجبين بهذا العربي المسلم القادم من الجزيرة العربية الذي رفع اسم العرب عاليا، وكان ما كان وأصدر السلطان حكمه بالإفراج عنه وتلبية مطالبه، وغير صحيح انه كتب استعطافا للإفراج عنه بعد اشتراكه بالحرب لأن من يعرفون تاريخ الشيخ راكان بن حثلين يقولون انه يأبى وفيه عزة نفس عجيبة، وان اشتراكه في الحرب مرده لتدينه وحبه للجهاد في سبيل الله لأنه كان في سنوات سجنه الأخيرة كان يتمنى الشهادة في سبيل الله وقد رزقه الله فضل المشاركة في حرب المسقوفين الصرب ونصره وحرره من حبسه.
مع حارسه حمزة
مع طول بقاء الشيخ راكان بن حثلين في السجن عند الأتراك كانت له علاقة حميمة يرويها الرواة مع حارسه حمزة والذي جاء ذكره في أبيات شعره في قصيدته التي قال فيها:
حمزة مشينا من ديار المحبين
الله يرجعنا عليهم سلوم
من الخداعة واحتيال الملاعين
هيهات لو اني عرفت العلوم
وكان راكان يقضي وقته يحكي قصته لسجانه حمزة الذي كان يقدم للشيخ راكان القهوة ويقوم على خدمته وكان راكان يحدثه عن قصته عن طريق البحر وكيف كانت. وكم استغرقت ويقال من هذه المعايشة عرف الشيخ راكان بن حثلين مفردات اللهجة التركية..
ولربما ان حمزة هو الوسيط الموثوق الذي نقل رغبة الشيخ راكان بن حثلين إلى الباشا التركي ليطلق سراحه للمبارزة ورفضه ثم قبوله لأنه شاهد كيف صرع الفارس الصربي خيرة قادة الترك، والشيخ راكان بن حثلين نحيف الجسم قصير القامة، كيف سيهزم هذا الصنديد؟!
الحوار التاريخي
لابد ان يتوقف أي قارئ للتاريخ لطلب الشيخ راكان بن حثلين من الوالي التركي المشاركة في الحرب ولعلي هنا أعرض جانبا متخيلا وكتب في صفحات الشيخ راكان بن حثلين عندما قال: لا تنظر لقصر قامتي، أو نحافة جسمي، بل لبِّ لي طلبي للمبارزة واسمح لي بأن أختار الفرس التي تعجبني من الخيل ومن السلاح من سيف ورمح.
فما كان من الوالي إلا أن قال: لك ما شئت.
ولنقف هنا برهة والشيخ راكان بن حثلين عينه على مربط الخيل وصاح ثلاث مرات ونظر نظرة الفارس المجرب العارف للخيل، حتى رآها وكحل عينيه فيها، فرس زرقاء قوية، دربها على القفز والكر والفر فأكمل تدريبها وتأديبها ولبس عدة الحرب وصال وجال وبرز في الميدان مع الجيش التركي وما تلا الأمر من نهاية تعيسة لفارس الصرب الذي سقط مجندلا بسيف راكان وكيف يهزم فارس يناجي به ربه كمسلم موحد يقول في سجنه:
يا الله يا علام كاين ما كان
يا واحد كل امته يرتجونه
قصيدة المبارزة
وانصفني الله بدولة المسقوف
من فعلهم راحوا نعام
واسترهق الباشا بكل الخوف
طير المذلة فوق راسه حام
طلبت منه يعمل المعروف
يطلب سراحي بأول الأروام
من فوق يعمل المعروف
خيالها فعله جديد وعام
برزت للعملاق وهو يشوف
وبغى الهرب مني ولا يلام
هائم خطفته والصفوف وقوف
مستاسره حتى بغير إعدام
ومن كل الذي تقدم أرى شخصيا ان راكان بن حثلين صاحب العقيدة السلفية القائمة على الكتاب والسنة ما كان ليتقدم في هذه الشجاعة في حرب الصرب وأبدى ما أبدى من شجاعة متميزة إلا كونه مسلما طالبا الجهاد في سبيل الله وليس صحيحا انه تذكر أهله وطلب استرحاما واستعطافا ليعود الى نجد وإنما كانت قناعة مسلم وجد فرصة للجهاد فأبلى في سبيل الله عز وجل بلاء حسنا كانت فيه العزة والنصرة لراية التوحيد الخالد، ورغم كبر سنه نصره الله وما أخزاه، ليعود الى بلده مرفوع الهامة، إنني أدعو لقراءة سيرته وكتابتها من جديد، فنحن أمام بطل مسلم مجاهد هزم الصرب قبل أن تهزمهم جحافل الرئيس البوسني البطل عزت بيغوفيتش طيب الله ثراه في حرب الصرب على البوسنة والهرسك في بداية التسعينيات.
أشعاره أمثال
من المعلوم ان اشعار الشيخ راكان بن حثلين كثيرة ويصعب حصرها في هذه الاستراحة، ومن منا لم يسمع بهذين البيتين:
ومن عقب ذا يا ماحلا شرب فنجال
في مجلس مافيه نفس ثقيله
هذا ولد عم وهذا ولد خال
وهذا رفيق ما لقينا بديله
وقوله:
يا قومنا ما من صدق
جمعين والثالث بحر
والله لبوج لها الطريق
لعيون براق النحر
ولنقف طويلا أمام هذا البيت الذي قاله في سجنه ضمن قصيدة طويلة.. اقرأ وتمعن واستمتع وتفكر:
يا خليف أنا قلبي همومه تعوقه
عزى لقلب مولع كل ما جاه
شعر راكان
قرأت كل قصائده وهي بحق مقياس الفصاحة العربية، لغة القرآن وحتى أكون منصفا أرى ضرورة أن تقام له حلقة شعرية ـ أو مؤتمر شعري ـ تطرح أشعاره وما تضمنته من معان خاصة أن معظم اشعاره من وجهة نظري الشخصية خالية من اللحن والعامية اللهم إلا الألفاظ المستعملة في زمانها وما خبي مع عوامل الزمن واندثر مع تعدد اللهجات وجاءت به الألسن.
جميلة أبياته لا تمتمة أو خنخنة أو فأفأة ولعل هذا ما يميز العجمان في مقياس الفصاحة وعلوم الكلام والمنطق والذكاء والبلاغة.
كم هو جميل هذا الشيخ راكان بن حثلين وهو يصف الشيء في قول بليغ تبرز فيه القوة والحكمة انظروا:
الذم ما يهفي للأجواد ميزان
والمدح ما يرفع ردي المشاحي
وقوله:
الصدق يظهر من حباله رديه
والكذب يقطع من حباله متان
شعر راكان سجل مفتوح للباحثين في الشعر، وآن الأوان لفتح هذا السجل التاريخي.
صور من المعركة
قلت في معرض حديثي عن الشيخ راكان بن حثلين ـ رحمه الله ـ انه مجاهد وأن هناك أكثر من رواية عن شجاعته. وأعتبر هذه القصيدة الشعرية التي قالها ومنسوبة له «مدونة حقيقية» لشجاعته بأسر قائد المسقوفين الصرب وليس قتله، وانظروا في معاني الابيات فهي تشرح نفسها حيث يقول:
يا ابو هلا ليتك تشوف
حطوني العسكر نظام
يقودني قود الخروف
العسكري ولد الحرام
الصبح ماكولي رغيف
وفي الليل ما أذوق المنام
وأنصفني الله بدولة المسقوف
من فعلهم راحوا نعام
واسترهق الباشا بكل الخوف
طير المذلة فوق رأسه حام
طلب منه يعمل المعروف
يطلق سراحي بأول الاورام
من فوق زرقا كنها الشاحوف
خيالها فعله جديد وعام
وبرزت للعملاق وهو يشوف
وبغى الهرب مني ولا يلام
ها ثم خطفته والصفوف وقوف
مستاسرة حي بغير إعدام
الله.. يا شيخ راكان، حطوك العسكر في زنزانتك وحيدا وقادوا بطلا وما يدري العسكري انه يجر بطلا، ما كولك الخبز وفي الليل ما تذوق عينك الرقاد، حتى صارت المعركة مع الصرب (دولة المسقوف) صاروا أمامك كالنعام وهكذا.. صور معبرة جميلة.. حتى خطف فارسهم العبد الطويل ولم يقتله.. بغير إعدام.. ولا قتل أسيرا ذليلا يجر أذيال الانهزام أمام شجاعة فارس عربي هو الشيخ راكان بن حثلين رحمه الله.
راكان في الأرشيف التركي والبريطاني
ذكر المستشرق الرحالة جوليوس يوتنج انه زار حائل عام 1883 وكتب في يومياته انه التقى الشيخ راكان بن حثلين شيخ العجمان ويبدو أن الشيخ كان كثير التردد على حائل عقب سنوات المنفى. وقد لفت انتباه هذا المستشرق ان الشيخ راكان ينطق في احاديثه بعض الكلمات التركية.
لقد قضى راكان بن حثلين سبعة اعوام سجينا منفيا في قلعة «نيش» قرب بلاد الصرب وأكيد مع ملازمة حارسه حمزة تعلم بعض المفردات التركية أو التحاور البسيط.
نأمل أن يذهب باحث كويتي الى تركيا ويفتح سجلات التاريخ كما فعل البعض، فالأرشيف العثماني فيه أكيد معلومات ووثائق تزيد عن 150 مليون وثيقة لم يصنف فيها إلا القليل وخير دليل كتاب «تاريخ قبيلة العجمان دراسة وثائقية» الذي ألفه وأعده د.سلطان بن خالد بن حثلين من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران ود.زكريا كورثون استاذ مشارك في التاريخ الحديث جامعة مرمرة في اسطنبول ومجموع ما استخرج من معلومات لا يزيد على 20% فقط؟! انني آمل في حقيقة الأمر أن يفتح ملف البحث في المخزون التركي والبريطاني وستكون هناك حقائق مغيبة عن الحقيقة والتاريخ.
شهادة مؤرخ
هذا الرمز العربي المشرف له تاريخ في كل نواحي البادية العربية. وكما قال الباحث أسعد الفارس (كاتب وباحث سوري) نشر شهادته في جريدة «الأنباء» 8/10/1996 العدد (7328) ان سيرة هذا البطل تتضح في ابعاد ثلاثة: قصة أسره في بلاد الترك، وفروسيته النادرة وتعلقه بالخيل والعنان والسيف والسنان، وبشعره الحماسي النادر، وما من بادية زرتها في الشمال أو الجنوب إلا وجدت فيها اخبار «راكان بن حثلين» تروى بروايات وأشعار مختلفة، وقد زاد عليها الرواة والمحدثون من فنهم القصصي ومن مبالغاتهم الشيء الكثير، حتى أصبحت اخبار هذا الفارس الشجاع ملحمة واسطورة، وسيرة شعبيته تضاف الى السير العربية كسيرة بني هلال وسيف بن ذي يزن، والزير سالم وعنترة بن شداد، وغيرها من السير الشائقة.
آخر الكلام
هذه بعض المواقف التاريخية من حياة الشيخ راكان بن حثلين الفارس والشاعر، مررنا بحياته وشعره وبطولته بعيدا عن كل تهويل او تشنج أو الروايات الضعيفة، رحم الله الشيخ راكان بن حثلين وجزى أولاده وأحفاده وهذه الأسرة الكريمة كل خير سواء أكانوا في الكويت أو في المملكة العربية السعودية الشقيقة ويكفي ان تزور ديوان شيخنا العم سلطان بن سلمان آل حثلين وإخوانه وأولاده في الرقة حتى تشعر أنك عايشت الشيخ راكان فما هذا الشبل إلا من ذاك الأسد ولهم ديوان جديد في العقيلة في طور البناء يحمل اسم الشيخ راكان الأول وتبقى سطور مداد قد لا تعبر عن كل الحقيقة لكنها بالتأكيد تناولت بعض منها، وما خفي قد يكون أفضل بكثير مما كتبت وسطرت.
[email protected]