[email protected]
شاعرنا الذي نقدمه للأجيال الحالية واللاحقة هو حمود الناصر البدر - رحمه الله - كان وافر الثقافة والاطلاع، ميزه الله بذكاء وبصيرة ولم يكن رجلا عاديا من عامة الناس، وإنما وافر الثقافة في زمانه واسع الاطلاع، جاب الأقطار والبلدان وسافر وعاشر الناس واختلط بهم فكانت حياته «قصائد شعر» في دوحة الشعر له لونه الخاص به ونكهته، وشاعرنا يقول الشعر على سجيته ومن قلبه الصادق، واتصفت أشعاره بالعفة ومحاسن الألفاظ والمعاني وعاش حياته بفروسية الشجعان العرب فلا يسف إلى درك الابتذال، بل يسمو بك إلى آفاق رحيبة من الصور والخيال العفيف والمروءة والخلق الكريم والنبل وهي معان من شيم هذا الشعر.
وأنت تقرأ في ديوان العم الشاعر حمود الناصر البدر «شاعر الكلمة ومفعولها» تقف اولا عند دور العم عبدالله عبدالعزيز الدويش- رحمه الله- الذي جمع أشعار شاعرنا بعد أخذه الموافقة من أسرة الشاعر ويشكر على جهده المقدر، حيث لم تكن مادة الكتاب متوافرة فبحث ونقب وسأل ورجع إلى المدون في المخطوط وهو قليل وتوصل بالسؤال والبحث، خاصة وكلنا يعرف ان الشعر الشعبي هو الأداء والتعبير لدى الشاعر والذي يستمع إليه الناس ويحفظ بعضهم أشعاره كرواية، فلم يكن هناك «تدوين» وربما هنا تسقط الكثير من القصائد لأنها ليست مكتوبة او نسيها الناس ولسقوطها ايضا من الذاكرة، ولله الحمد تم جمعها في ديوانه وطبعت عام 1973.
من هو شاعرنا حمود الناصر اليوسف العبدالمحسن البدر؟
ولد في عام 1287هـ - 1870م في محلة البدر من الحي القبلي في مدينة الكويت وتوفي في عام 1334هـ ـ 1915م وجاء في رواية أخرى أنه ولد في عام 1280هـ وتوفي عام 1330هـ وله من الأبناء ثلاثة ذكور وثلاث إناث.
كان والده من تجار اللؤلؤ ومن رجالات الكويت المعروفين وعمل شاعرنا في البحر وكان أحد نواخذة الغوص المشهورين في الكويت وكان مقربا من حاكم الكويت حينذاك المرحوم بإذن الله الشيخ مبارك الصباح، وشارك في جميع المعارك والحروب التي خاضها.
كان هادئ الطباع رقيق المزاج، نحيف الجسم، ابيض البشرة، دائم الابتسامة، نادرا ما كان يُشاهد منفعلا أو غاضبا، ويروي العم عبدالعزيز الدويش - رحمه الله - والذي كان يتردد عليه في عزلته، انه كان يشاهده في وحدته يجلس امام (الوجار - الدوة) وأمامه أوراق وبعض من قصائده وأشعاره، وكان يعمد إلى حرق وإتلاف القصيدة بعد نظمها، وكان يحرم على أقاربه الذين عاصروه نشر شعره بين الناس لأسباب لم يكن من السهل الإفصاح عنها او تقصي حقيقتها، ولهذا كان يعمد الى حرق قصائده في آخر أيامه - رحمه الله - ومن يقرأ أشعاره يجد فيها الشهامة والكرم والصدق وطيب الخلق والاعتداد بالنفس والمروءة.
وقفات مع أشعاره
لفت نظري وأنا أستعرض قصائده الجزلة أسلوب المناداة الذي كثر في قصائده فهو يقول: يا بوفهد ويلاه من تيهه الرأي
وفي قصيدة ثانية: يا فهيد لو سجو هل الدار عنا
وفي ثالثة: يا الله يا عالم خفيات الأحوال
وفي رابعة: يا مل قلب من تصاريف الألباب
وفي خامسة: يا خضير بالله عالم كل الأسرار
وفي سادسة: يا علي واقلبي برز الهوى تاه
وفي سابعة: يا بوبدر وشلون ليل السهر
وفي ثامنة: يا ركبين اكوار ست تبارى
وفي تاسعة: يا شن بصندوق الحشا من رماني
وفي عاشرة: يا بوخالد صابني ترف الحشا
وفي الحادية عشرة: يا شعيب طراد الهوى ما احد يعزيه
يقول الشاعر حمود الناصر البدر مخاطبا صديقيه الحميمين ناصر وعلي المزيد:
يا بوفهد ويلاه من تيهه الرأي
من علة ما فاد فيها التداوي
يا ويح قلبي من الهوى منه بلواي
يا حسرتي ياليت ماني هواوي
ومضة: والله وأنا أقرأ هذه الأبيات التي سأعرضها اتضح لي بجلاء «شاعرية شاعر» كويتي اضطرته الظروف للاغتراب، وشعر بنار الحنين للكويت والأهل والعشيرة والأحبة، حيث يقول:
يا خضير طالت غربتي والعقل طار
ومن الطواري غادي دورك مطيور
أزريت يوم اني تغربت بديار
من لا يعرف احكي لهم فاقد الزور
أنا بدار وضافي القرن في دار
بيني وبينه نازح البعد وبحور
بعث الشاعر حمد المغلوث للشاعر حمود الناصر البدر قصيدة لم يتم العثور إلا على هذا البيت منها:
يا حمود من زاد العنا به وهاما
يصفى لطيب النوم ما صار معلوم
اقرأوا وتأملوا تلك الأبيات الرائعة من شاعر اروع يعاني الغربة ويجسدها اشعارا مبهرة.
آخر الكلام: أتمنى من المجلس الوطني للفنون والثقافة والآداب أن يضع هذا الشاعر الكويتي وغيره كثير في أمسيات ثقافية قادمة حتى يعي ويعرف هذا الجيل تاريخ وأشعار هؤلاء الشعراء الكرام- رحمهم الله- والطلب موصول لوزارة الإعلام ووزارة التربية وجامعة الكويت، وأعطيكم مثلا، خذوا من ديوانه (قصيدته) يوم ودع بعضا من اهله المسافرين الى المشاعر المقدسة في مكة والمدينة لأداء فريضة الحج، أعرض بعضا من أبياتها، يقول فيها:
يا الله يا سامع ندا الشيخ والشاب
يا من كريم إلى عنتك المطاليب
انت الرجا واللي رجا منك ما خاب
يا مبصر المستور بجنح الغرابيب
تستر عليها خافي الستر وحجاب
عن شر ما بالغيب يا والي الغيب
وتقر عينه بالمواصل والإياب
يا موّلٍ يوسف على باه ومنيب
ختمي صلاتي عد ما ضجر نباب
على النبي ما ناب نوس النبانيب
ويقصد بـ «نباب» المصوت أو المنادي، اما «النبانيب» فهي المرتفعات الصغيرة أو الأكوام.
زبدة الحچي: كل الشكر والتقدير لأخي وأستاذي سعادة السفير المتقاعد محمد سعود يوسف البدر على إهدائي هذا الكتاب القيم، والشكر موصول للأخ قيس سعود يوسف البدر على كتاب «بيت البدر» الذي قدمه د.عبدالله يوسف الغنيم، وكلا الكتابين مرجع يسد نقصا في مكتبتنا الكويتية، وما أحوج «عيال ديرتنا» لرؤية هذه التوثيقات التاريخية.
ولا أجد أفضل من ان اختم مقالي بآخر قصائده الرائعة التي تحتاج إلى وقفات الباحثين وطلبة العلم، يقول الشاعر حمود الناصر البدر- طيب الله ثراه ومثواه:
يا مرحبا يا حي صافي الثماني
تحية الولهان بقدوم الأحباب
اعداد شعر وبار(*) بوش وضاني
واعداد ما يذري نسيم الهوا الهاب
واعداد ما ياطا الوطى مودماني
من نسل آدم ونوح وما جاب
واعداد ما حرف نطق به لساني
وما يرسم القرطاس بالحبر كتاب
(*) «بار» تعني وبر الجمال.
وتبقى الحقيقة أن الشاعر الفذ حمود الناصر البدر له رؤيته كحال الشعراء الشعبيين الكويتيين السابقين واللاحقين غير أن أشعاره تدخل القلب دونما الحاجة إلى تفسير أو شرح وبلهجة سهلة وألفاظ محلية عامية، إضافة إلى الكلمات العربية، وتضمنت قصائده أيضا ردودا استخدم فيها ألفاظا قاسية على خصومه ومن هاجموه، وأنا وقفت طويلا امام قصيدته الرائعة التي يرد فيها على الشاعر محمد العوني- رحمه الله- وهو شاعر له مكانة رفيعة وكان ينزل قرب قصر مشرف في السرة في ضيافة الشيخ مبارك الصباح- رحمه الله- فلقد عاب الشاعر العوني على شاعرنا انه أكثر في الغزليات دون التطرق الى ابواب الشعر الاخرى مثل الفخر والحماسة والهجاء والمديح والحكمة، فرد شاعرنا عليه بقصيدة مطلعها:
انحى الدجى وانذار عن لذ الكرى
جفن من اسباب الحوادث مسهرا
107 أبيات رد مفحم قاطع ابرز فيه مقدرة على الرد على كل ما قيل عنه وأجاد فيه.
وأرى إحياء ذكره بما يستحق التكريم والدعاء له بظهر الغيب بما قدم لوطنه وشعبه وأسرته من أشعار وطنية أعلت من شأنه ووضعته في مصاف شعراء الكويت الأماجد، وليوصف بأنه «شاعر الكلمة ومفعولها».