[email protected]
دمعت عيناي عندما شاهدت في (الميديا) صورة العم سعد راشد سعد العلبان المشهور «بسعد بريك» فلقد كنت منذ شبابي وكل جيلي المخضرم نحضر سياراتنا عنده في كراجه في شرق بالقرب من مستشفى الأمراض الصدرية ناحية محل العم عقاب الخطيب رحمه الله، ثم انتقل الى الشويخ الصناعية في قسيمة أكبر وهو الكويتي الوحيد حينذاك الذي (يعمل ويتقن عمل بريك السيارة) وكان ماهرا في التسويق بدليل ان الكويت كلها كانت (تركب سفايف سياراتهم عنده)!
بالأمس السبت 2 شوال 1439هـ الموافق 2018/6/16م دفن في مقبرة الصليبخات عن عمر يناهز 86 عاما وهكذا طوي علم من أعلام .. ورجالات الكويت الأوفياء المخلصين الذين زرعوا وحصدوا محبة شعبهم وناسهم.
والعم سعد العلبان من الرعيل الأول المخضرم الذين اشتغلوا في الميكانيكا وتصليح السيارات وتخصص بالبريك (الفرامل) ليبرز في عصره وحتى اليوم (نحن جيل المخضرمين الذين في أعماري كلنا كنا زبائنه) ولا نذهب عند احد غيره أبدا لقناعتنا بكلمته (لوح بمسمار)!
رافقناه سنوات شبابنا بكل السيارات التي ملكناها كان هو الوكيل المعتمد لنا (سعد بريك) تروح له تطلع راضي وكان الفريق الذي يعمل معه من (هنود - إيرانيين) يجيدون الصنعة والشغلة!
من الشخصيات الكويتية التي ذكرته علي محمد العصفور للأخ منصور خلف الهاجري - بو طلال - في لقاء أجراه معه في «الأنباء» في 2009/10/10 وهو من الرجال الذين كدوا في البحر وعمل أيضا في شركة النفط في بدايتها، يقول: اشترت لي الوالدة سيارة فورد بمبلغ أربعة عشر ألف روبية في عام 1956 وباشرت العمل عليها لنقل الركاب (تاكسي) من ساحة الصفاة الى الاحمدي والفحيحيل عن طريق المقوع والراكب يدفع روبيتين وإلى الفحيحيل روبية ونصف الروبية ونرجع لنقل الركاب وأحيانا أتغدى في مطعم هندي في الفحيحيل وهو الوحيد، وكان التعاون ما بين سائقي التاكسي موجودا فكل واحد يحرك سيارة زميله وإذا تعطلت عندنا كهربائي اسمه محمد الجيناوي وكان سعد العلبان يصلح البريك.
أما العم عباس مناور، رحمه الله، فله مقابلة مع الرأي العام وهو معروف عنه أنه كشكول معلومات وأخبار وذكريات فيقول ضمن حوار طويل له:
بقيت في العمل مع الوالد سبع سنوات ذهابا وايابا وبعد ذلك تعلمت قيادة السيارة مع خالي حمود الردعان وأخي مناور وحصلت على اجازة واشتغلت سائقا خاصا عند المرحوم حجي أحمد الأشرم (القلاف) الذي كانت عنده سيارة (هدسن) وكيلها الغانم وكانت جديدة، والمرحوم أحمد سلمان القلاف كان يسكن في منطقة المطبة بالشرق ويتنقل من البيت الى المكتب الذي كان يعمل فيه المرحوم مكي الجمعة وذات يوم كنت أمام المكتب وكانت السيارة واقفة وركب أحمد الأشرم وحاولت تشغيلها فلم تشتغل فتم دفعها فاشتغلت وأخبرته بأن البطارية ضعيفة فقال اليوم بعد العصر نذهب الى النقرة لأني (معزوم) عند الملا صالح لشرب القهوة في ديوانه بالنقرة، وفي ذلك الوقت كان يوجد قصران في النقرة واحد للملا صالح والثاني لمشاري هلال المطيري وبقية البيوت كانت من الطين والعشيش، ووصلنا النقرة وأثناء العودة اشتغلت السيارة ولكن أدركنا الليل وكلما فتحت نور السيارة توقفت الماكينة فأعيد تشغيلها بعدما اطفئ الأنوار حتى وصلت الى بيت الاشرم واستمر الأمر على ما هو عليه، وثاني يوم قال يا عباس اصبر عليك حتى يوم غد وعليك أن تعمل المستحيل لتصليح السيارة لا يمكن دفعها أمام التجار بالسوق وإلا سوف أكسرها بالقدوم فذهبت الى الميكانيكي محمد النيباري وكان يعمل معه سعد العلبان وكان يسمى سعد بريك وأخبرته بما كان في السيارة ففتح غطاءها وطلب من سعد أن يفك البارد (الارث) الذي يوضع في المدقر وركب قطعة جديدة وذهبت بالسيارة الى الشويخ ورجعت ثانية عنده وشغلت السيارة مرتين أمامه وأخذ روبية واحدة.
نعم صدق.. أخذ روبية واحدة لأننا جربناه اذا قال لك المبلغ ادفع وأنت متيقن أنه أخذ حقه فقط دون زيادة أو نقصان، وهكذا هم ذاك الجيل الذين رحلوا ونودع آخرهم.
٭ ومضة: الله يرحم العم سعد العبان رحمة واسعة وأعتقد أن كثيرا من جيلنا المخضرم هم الآن يشعرون بالحزن عليه ويترحمون لأنهم تعاملوا معه وجربوه رجلا صادقا في مهنته ورسالته ووظيفته ليس بالطماع ولا المتلاعب (انموذجا خيرا) لرجال الزمن الجميل وكان بلا شك واحد منهم في حرفيته ومهنيته.
٭ آخر الكلام: لا عجب عندي أبدا أن تمتلأ (الميديا) اليوم بصوره وذكر محاسنه وعصاميته ونجوميته وتفوقه في البريك!
٭ زبدة الحچي: سعد بريك رجل من ديرتي له من السجايا والخصال ما يصعب وصفه كان آخر عهدي به في كراجه في الشويخ الصناعية ضمن مجموعة من العمال (الهنود والعجم) وكان هذا آخر عهدي بسيارتي الكابرس التي ركبت لها سفايف من كراج (سعد بريك)!
رحم الله سعد راشد العلبان، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ومنزلته في الفردوس الأعلى من الجنة.
عظم الله أجر أسرته الكريمة وأنجاله وأهل بيته وذويه ومحبيه و(إنا لله وإنا إليه راجعون).