دشداشتي سويسرية فصلها لي مشكورا خياط إيراني، وغترتي سويسرية كذلك، وعقالي حيك من صوف صيني، وأرتدي جوربا پولنديا وحذائي إيطالي، وساعتي أميركية، وسجائري فرنسية أشعلها دائما بولاعتي الصينية الصنع، وعادة أطفئ سيجارتي في منفضة السجائر المصنوعة من الكريستال البلجيكي، حيث اضعها على طاولة إيطالية أمام أريكة منزلي المصنوعة في السويد، والمواجهة تماما للتلفزيون الياباني الذي تم تجميعه في سنغافورة ليأتي بحرا إلى بلادي على ظهر باخرة شحن كورية.
سيارتي أميركية تم تجميعها في كندا حسبما سمعت من البائع عندما ذهبت لأخرجها من الوكالة قبل ثلاث سنوات، وقهوتي المفضلة نيبارية والشاي سيلاني والأكواب التي أتناول فيها مشروباتي المفضلة مكتوب أسفلها «صنع في جنوب أفريقيا»، مقابض أبواب منزلي صنعها خواجات اليونان، والجبنة المفضلة لدي التركية، قلمي مصنوع في المكسيك حسبما هو مكتوب على علبته من الداخل، والكي بورد الذي استخدمه تايواني، و«قحفيتي» مصنوعة في باكستان، وعطري فرنسي، وأجلس في مكتبي على كرسي طبي مصنوع في ألمانيا، والدي منذ أن أصيب بداء السكري ـ شفاه الله ـ ووزارة الصحة تصرف له إنسولين دنماركيا، وتصرف لصداعي النصفي حبوبا صنعت في بلجيكا.
بعد كل هذا يأتي شخص من آخر حدود التاريخ ويطالب بأن يكون هناك قانون لمنع الاختلاط، ويريد أن يجبر أمة لا إله إلا الله عليه، ولو أنه فعلها لوجه الله لشددنا على يده ولكنه هو ومن يوالونه يفعلون ذلك انتصارا لعقيدة الصراع لا لعقيدة الحق، وعلى الطرف الاخر المقابل أخت فاضلة فهمت الليبرالية خطأ، بل فهمت الديموقراطية بأكملها خطأ تسعى لإيقاف مد أيادي الإسلام السياسي ـ كما تظن ـ طارحة قانونا مضادا لقانون منع الاختلاط مستندة هي الأخرى الى عقيدة الصراع.
هي وهم، هؤلاء وأولئك، من العرب والمسلمين، ممن ينطقون بلغة الضاد، يقرأ بعضهم على بعض السلام، ويفشونه بينهم، هي من أتباع الليبرالية و«المتلبرلين الجدد» وهم من أتباع دعوة العودة إلى الخلافة، نسوا أن هناك شيئا اسمه الحضارة، التقدم، التنمية، الدعوة إلى العلم.
هم يرفضون الغرب رفضا مطلقا ويصفونه بالكافر رغم أن معظم خطبهم تنطلق من مايكروفونات صنعت في بلاد بوذا ومسكرات صوت أجاد صنع برامجها من يصفونهم بأنهم كفار ابناء كفار، وأولئك «المتلبرلون الجدد» لا يعرفون عن الغرب سوى التحرر المطلق وحقوق المثليين.
لا هؤلاء ولا أولئك من أقصى المحيط إلى أدنى الخليج تبنى عالما واحدا أو موهبة يمكن أن تنتج لنا ما يمكن أن نفاخر به العالم الذي تتسابق دوله لستر عوراتنا وصناعة الأقلام لنا، وصنع ما يعالج أمراضنا ويخفف آلامنا.
معضلة هذه الأمة أنها لا تعرف ماذا تريد؟ ورغم هذا كله تجد من يخرج عليك في إحدى خطبه قائلا: «احذروا غضب الله»، أي غضب «يا مولانا» أكبر مما نحن فيه والعالم كله يشترك في صناعة كل ما نحتاجه، ولا دور لنا سوى أن نكون مستهلكين (بكسر اللام أو فتحها فلا فرق).
[email protected]