في هذا البلد.. المكشوف سياسيا أكثر منه بكثير المخبوء، فما يعلن على ألسنة الساسة لا يمثل سوى ثمن حقيقة ما لا يعلن، فكل ما نراه ونقرؤه من تصريحات لنواب ووزراء وناشطين سياسيين لا يمثل سوى رأس جبل الجليد من حقيقة ما يدور تحت بحر السياسة.
ثمن الحقيقة المتوافر لدينا من معلومات نجمعها من تصريح هذا النائب وتحول ذاك التكتل أو انحراف تلك الكتلة أو هذا التجمع لنحاول أن نكون منها صورة المشهد السياسي، نسأل متبحرا في علم السياسة ونلجأ لضاربي ودع السياسة في البلد ونستعين بأصدقاء من ديوانيات «عروقها بالما» من أجل أن نستطيع رؤية الحقيقة بنظر سياسي بالكاد يصل إلى قدرة 36 على 6، أي أنه حتى مع استحضار كل جن الممكن والمعقول بحثا عن الحقيقة لا نصل إلا إلى «طشاش» يمكننا من السير بدرجة معقولة حتى لا نصطدم بجدار الحقائق المرة المحيطة بنا.
أنا فعلت كل هذا، واستجمعت كل شيء ممكن واستحضرت جن الساسة لأعرف ما الذي تغير قبل ثلاثة أسابيع في تحولات كتل المعارضة، في الحقيقة لم أصل إلى شيء يمكن أن أعلنه أو الى كشف يمكن أن أقول انني استطعت الخروج به من خلال معطيات التغيرات الأخيرة في تحولات المعارضة.
ولكن وبعيدا عن الاجتهاد فيما لا يرى أو الإفتاء بغير علم يقيني، كان علي اللجوء إلى متقاربات تاريخية وشواهد تاريخية شبيهة بتلك التي يمر بها المشهد السياسي خلال الأيام القليلة المقبلة، ومنها خرجت بأن المشهد السياسي سيتغير إلى الأبد في البلد على الأقل مع وجود ذات اللاعبين الأساسيين اليوم والتغير سنشهده جميعا في أكتوبر مع بدء دور الانعقاد المقبل.
الاستجوابات ستتوقف نهائيا، وسيكون أي استجواب قادم هو استجوابا فرديا أو بالكثير سيأتي من جهة كتلة واحدة فقط لا غير، بعد أن تدخل بقية الكتل السياسية الأخرى في هدنة وإن كانت غير معلنة، على أن تبقى الكتل المهادنة على مساحة من التواصل الشعبي عبر استهداف وزيرين أو ثلاثة وزراء فقط لا غير ستقدمهم الحكومة ككبش فداء لمحرقة الهدنة غير المعلنة، شريطة أن تظل قضايا رئيسية وحيوية في دائرة الهدنة بين الحكومة وكتل المعارضة المهادنة لها ولن تثار في المجلس لأي سبب كان وإن أثيرت فستثار على استحياء لتمر تلك المشاريع، ومنها مثلا خطة التنمية وهيئة سوق المال، أما القضايا التي ستسمح الكتل المعارضة لنفسها بإثارتها خلال الفترة القادمة فستكون مجرد قضايا شعبية لا تصلح سوى للاستهلاك السياسي المؤقت كالزيادات والكوادر وقوانين المرأة والبطالة أو السؤال عن نتيجة تحقيق عمره 10 أعوام.
المشهد السياسي بدأ في التغير، والهدنة بين الحكومة والمعارضة دخلت مرحلة التنفيذ الفعلي، وسنشهد ثمارها في أكتوبر القادم، هذا ما خرجت به ولكن ما لم أصل إليه هو: ماذا سيفعل الشعب بعد أن ترفع المعارضة غطاءها السياسي عنه بعد أن كانت صوته وحنجرته ومحاميه وحامي حمى حقوقه؟!
[email protected]