ذعار الرشيدي
ربما يعرف الكثيرون خاصة الشباب أغنية «كان فيه بنت اسمها ترلم» للفنان محمود العسيلي الذي فاجأني عندما أعلن وعبر لقاء معه على قناة اسمها «ستايل» أن جده الأكبر لعائلة والدته هو المفكر المصري الكبير رفاعة الطهطاوي.
فوجئت، نعم لكنني لم أستغرب، فوجئت أن الطهطاوي صاحب الثورة التعليمية الهائلة التي شهدتها مصر في أواخر القرن التاسع عشر سيأتي من صلبه من يغني «ترلم»، وهي بالمناسبة أغنية خفيفة رغم أنها لا تمت إلى الطرب بصلة ولا بـ «ثومة» ولا حتى بورقة خس.
عندما تعمل لأكثر من 16 عاما في الصحافة تفتقد الدهشة، فكل شيء تسمعه أو تشاهده يبدو اعتياديا مهما بلغت درجة غرابته، فقد تعاملت مع شتى أنواع الأخبار الغريبة محليا وعربيا على مدار 16 عاما فقدت خلالها حاسة تذوق الدهشة نهائيا، وعندما سمعت مقابلة العسيلي لم أندهش من تصريحه ذلك، ولكنني تساءلت إذا كان «مفكر» كالطهطاوي وبعد 100 عام سينجب مؤديا يغني «ترلم» فماذا يمكن أن تنجب حكومتنا الراحلة وهي التي توقفت عن التفكير منذ مدة، بل ان التفكير قاطعها تماما كما قاطعتني الدهشة، بعد أن سحب التفكير سفراءه منها وأعلن مقاطعتها تماما، والدليل أنها كانت تتعامل مع الأحداث بشكل لحظي، وجاءت جميع أفعالها نتيجة لردود الفعل ولم تقدم يوما على المبادرة الذاتية بل كانت تنتظر أيا من أعضاء مجلس الأمة ليثير قضية ما حتى تتحرك وتصرح وتشرع وتبحث وتدرس وتناقش ويبدأ وزراؤها في غزو الصفحات الأولى للصحف يصرحون ويدحضون ويكشفون ويعدون.
لا نريد للحكومة المقبلة أن تكون «حكاية بنت اسمها ترلم»، بل نريدها أن تكون حكومة قوية قادرة على المبادرة، أن تفعل ما تمليه عليها مصلحة البلد لا أن تنتظر التخطيط على خارطة المصالح التي تفرضها الأجواء السياسية الشديدة التقلب في مشهدنا السياسي.
نريد حكومة قادرة على تقديم رؤيتها ومنذ اليوم الأول لتشكيلها، لا حكومة تنتظر «عطسة» نائب، أو تخشى «نحنحة» متنفذ أو «تحميرة عين» كتلة سياسية.
لست حكوميا، ولكن من أجل البلد نحن فعلا بحاجة إلى حكومة قوية قادرة على المواجهة لنشعر كمواطنين بوجود توازن سياسي، فقد افتقدنا التوازن السياسي منذ سنوات، ومتى مال ميزان القوى فقل على البلد السلام.
مراقبة هواتف المدرسات: لم يقل لنا أحد أن وزارة التربية أنشأت معتقلا في الصليبخات تديره وكيلة مدرسة ابتدائية تهدد الموظفات والمدرسات بالويل والثبور وكأن وزارة التربية تركة ورثتها عن أسلافها، الوكيلة تلك لا تتردد في تهديد الموظفات والمدرسات بمراقبة هواتفهن النقالة.