ذعار الرشيدي
هل أنت محترف؟
نعم
لا، أؤكد لك انك لست محترفا
كان هذا أول حوار دار بيني وبين الأخت الفاضلة بيبي خالد المرزوق في أول يوم عمل لي في «الأنباء» في عام 2000.
لم أفهم الجملة جيدا ولم أستوعب ما كانت ترمي إليه في تلك المقابلة الأولى، ويومها كنت محرر تحقيقات وكاتب «فيتشر» تنتهي علاقتي بالخبر حال تسليمه إلى المسؤولين عن الصفحات، بعد الحوار القصير بأشهر قليلة جاءت وألقت بين يدي الصفحة الأخيرة وعملت معي يومين فقط على تنفيذ الصفحة وإخراجها ثم تركتني وحدي، لم يكن ريش أجنحة الاحتراف والتمكن قد نبت بشكل يمكنني من الطيران حرا بمسؤولية صفحة ثقيلة كالصفحة الأخيرة وقسمها الأمني إلا أنها ألقتني في نهر ثقتها، ذلك النهر الذي لا يشبه سوى نهر سيتكس في الأساطير اليونانية حيث كانت الإغريقيات يغمسن أبناءهن في مياهه ليتحولوا إلى مقاتلين خالدين.
الأخت الكبيرة بيبي خالد المرزوق كانت ثقتها بما يمتلكه الآخرون من طاقات هم أنفسهم لا يعلمون عنها شيئا، ذلك النهر الذي غمست به العشرات من الصحافيين في «الأنباء» ليتحولوا من هواة حرف إلى محترفي كتابة بكل ما يحمله المصطلح من معنى ودلالة، وفي ذلك النهر الذي كان يجري في «الأنباء» تخرج العشرات ومن بينهم كنت أنا وغيري الكثير ممن يذكرون فضل نهر ثقتها قبل أن يذكروا أمطار أفضالها الإنسانية التي غمرتهم.
وأعترف أنني تسببت في بعض الأحيان في صداع لها فيما أكتب ووضعتها في عدة مواقف محرجة كانت في غنى عنها، وكانت تتجاوز تجاوز الأخت الكبيرة عن أخيها الصغير، ذلك لأنها لم تتعامل معي يوما كرئيسة تحرير أو رئيسة مجلس إدارة بل كأخت تعرف الحد الفاصل بين المهنية العالية والشق الإنساني وتسير بينهما باحترافية لا مثيل لها، حفظت لها الكثير من المواقف ومازلت مدينا لها بالكثير سواء على الصعيد المهني أو الإنساني.
ترجلت الفارسة عن صهوة الحرف ولكنها لم ترحل بعيدا عنه، والترجل أخف وطأة من الرحيل بكثير خاصة إذا كان الفارس الجديد لـ «الأنباء» هو أخاها يوسف خالد المرزوق ذلك الرجل الذي سبقته إلينا سمعته الطيبة قبل حتى أن يلتقي به أي منا، ولا أعتقد أنه بالأمر الهين أن تكون سمعتك الطيبة هي سفيرك الذي يسبقك للآخرين قبل قدومك إليهم إلا إذا كنت تستحق وبجدارة تلك السمعة، فالمدح في الكويت أبدا ليس بالسلعة الرائجة وهي سلعة لا تنالها إلا إذا كنت تستحقها ليتم تداولها على ألسنة الناس ممن يعرفونك وممن لا يعرفونك.