ذعار الرشيدي
أن تنجب امرأة 8 توائم فهذه أعجوبة، وأن تنجب امرأة في الثانية والستين من عمرها توأما ففي ذلك ملامسة لخط تماس المستحيل طبيا، وعندما يرزق طفل بريطاني في الثالثة عشرة من عمره بطفلة ليتحول إلى اصغر أب في بريطانيا فهنا تجاوز لخطي المنطق والمستحيل معا، ولكن أن يظهر 100 محلل اقتصادي في الكويت وفي فترة زمنية لا تتجاوز الشهرين فذلك اجتراح حي للمعجزة.
100 محلل اقتصادي ظهروا في المشهد الإعلامي منذ أواخر ديسمبر الماضي، يحللون وينظرون ويطرحون رؤى اقتصادية لمستقبل البلد ويرفضون ويؤيدون ويمنعون ويستنكرون بل ويضعون حلولا جذرية للاقتصاد المحلي وكيفية النهوض به وبعضهم تبرع مشكورا لأن يضع خارطة طريق يمكن أن تسير عليها البلد لـ 200 عام قادمة.
في بلد لا يؤمن بالتخصص لابد ان يتحول بعض كتابه وبعض نشطائه إلى ركوب الموجة والحديث عن الهم الآني للبلد، التحول شيء طيب ولكن التحليل شيء آخر مختلف فلكي تحلل مسألة معقدة وشائكة كالمشكلة الاقتصادية لابد على الأقل أن تكون خبيرا بما تكتب، مطلعا وعالما بل ومختصا في شأن محدد من أفرع الاقتصاد العديدة لتتحدث فيه حال طلب منك ذلك، أما أن تصبح منظّرا بما لا تفهم وتتحول من كاتب رأي إلى محلل اقتصادي فهذا ما لا يمكن لأحد أن يفهمه، في الكويت تحول 100 كاتب من أصل 200 كاتب بين ليلة وضحاها إلى محللين اقتصاديين ينظرون ويطرحون ويجمعون دون أن يقوموا ـ عدا القلة منهم ـ بنسب ما يطرحون من رؤى إلى مختصين اقتصاديين كأن يضمنوا مقالتهم رأيا لمختص اقتصادي، بل تجدهم يطرحون حلولهم الخاصة للأزمة الاقتصادية من وجهة نظرهم هم، ولو سلمت أحدهم بقالة على الخط السريع لما استطاع أن يضع لها ميزانية مصروفات وخسائر وأرباحا رغم أن المسألة «كــرزين زقــايـر» و «50 عصير سانكيست» و «ثـلاثة قـواطي روب» و «200 بطل ماي صحة» وراتب بنغالي «منحاش من كفيله».
الاختصاص والإيمان بضرورة التخصص أولى الطرق نحو التطور الطبيعي والسليم لأي بلد في العالم، لا يمكن أن تكون كاتب رأي أو بالأصح معلقا على الأحداث وأن تكون في ذات الوقت منظرا ومحللا اقتصاديا، فهذا شيء وذاك شيء مختلف تماما، ولكن لدينا نصف الكتاب قرروا وفي ليلة ظلماء أن ينبلج نور الصباح قبل شهرين على معجزة تحولهم إلى محللين اقتصاديين و«هاتك» يا نظريات ولو أعطيت أغلبهم جدول الضرب لما بلغ حتى جدول 6!
لست ساخرا هنا من ممارسات هؤلاء الكتاب بقدر أسفي لعدم فتح المجال للمختصين الحقيقيين للاقتصاد، وهذا لا يعني أن كل من ملك «چم بيزة» سيتحول بالضرورة إلى محلل وهو أمر يحصل لدينا، بل لابد من شخص متخصص بالاقتصاد ولديه خبرة وشهادة وعلم يتحدث بالمفيد والخلاصة دون حسابات ربح وخسارة الـ «چم بيزة»التي استثمرها هنا وهناك كما حدث في الأيام الماضية بعد أن ثارت ثائرة بعض أصحاب «البيزات» وأصبحوا محللين اقتصاديين يرفضون ذلك الحل ويؤيدون ذلك بل ويطرحون بدائل ونحن أصحاب الدخل المحدود «مبققين عيوننا» لا نعرف الصدق من الكذب في زمن حتى «أبو خليل بياع البرد اللي على الدائري السادس» أصبح فيها محللا اقتصاديا وينوي ترشيح نفسه لجائزة نوبل للاقتصاد!
وبمناسبة عنوان المقالة وهو «الفيزيقراطيون» فبحسب ما فهمت من قراءتي لكتاب النظريات الاقتصادية المختصرة أن الفيزيوقراطية هي المذهب الطبيعي وهو أحد المذاهب الاقتصادية وحاولت أن أفهم شيئا عنه ولم أفلح، لذا أتمنى من أي شخص ممن تحولوا إلى التحليل الاقتصادي مؤخرا من الزملاء الكتاب أن يبعثوا لي بالتفسير كاملا كوني لا أفهم من الاقتصاد سوى أربعة أرقام هي الأرقام السرية لبطاقة السحب الآلي الخاصة بي.
كلمة أخيرة:
العقل والقلب والروح ثلاثة أشياء لا يمكن أن تجتمع معا بداخلك تجاه شخص إلا إذا كانت «أمك داعية لك وفي ليلة قدر».