ذعار الرشيدي
لا يمكن أن نختصر حالة الفوضى التي شهدتها البلاد خلال الأسبوع الماضي إلا بجملة «إذا حضر العقل بطل الجنون»، بعد أن قال صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد كلمته في حل مجلس الأمة حلا دستوريا ليصمت جميع من دعوا إلى التعليق، مثبتا سموه ان الحكمة تسود في النهاية وأنه لا صوت يعلو فوق صوت العقل.
وكنا قد شهدنا الأسبوع الماضي حالة من فوضى الجنون التي لم يسبق للبلاد ان شهدت مثلها في سباق سيل التصريحات المسؤولة وغير المسؤولة، وعلى كل وجه وجهة بل على كافة الأصعدة السياسية والشعبية بل حتى على مستوى «البطالية»، وكان أبرز غثاء سيل التصريحات دعوة البعض بوقاحة شديدة وبفجاجة غير مسبوقة لتعليق العمل بالدستور، والمصيبة أن بعض تلك الدعاوى صدرت من نواب أقسموا على احترام الدستور، وهو قسم لا كفارة لمن حنث به ولا عقاب له إلا أن يقوم الشرفاء من الناخبين بحجب أصواتهم عن كل نائب أو سياسي دعا تصريحا أو تلميحا إلى تعليق العمل بالدستور.
والأدهى أن كُتَّابا كانوا فيما مضى «مناضلين» مسحوا بتاريخهم الأرض عندما دعوا تصريحا وتلميحا ولطما وعويلا، بكل «بجاحة» لتعليق العمل بالدستور، وذهبوا إلى أبعد من هذا في دعاواهم الباطلة قانونا وشرعا ومنطقا عندما اتهموا المدافعين عن الدستور بالسذاجة.
كل هؤلاء النواب والكتّاب وبعض «النويشطين» السياسيين الطارئين أصحاب الدعوى الباطلة ارتكبوا الجنون في دعاواهم، بعد أن طنطنوا بل دوزنوا أبواقهم لمزيد من النفخ على نار دعاواهم التي لم يحضر على جال ضوئها للرقص السياسي الرخيص سوى «عوير» و«زوير»، وتمادوا في غيهم حاملين شعار «مجلس الأمة مسؤول عن تعطيل التنمية في البلد» كأساس للتدليل على صدق حملتهم المسعورة لنهش الدستور، بل كذبتم وامتلأت أفواهكم جورا وظلما وتجنيا وقلبا للحقائق.
وإليكم دليل واحد على أن مجلس الأمة بريء من تعطيل التنمية كبراءة العقل منكم، لقد حل مجلس الأمة عام 1986 وعاش البلد حتى العام 1992 بلا مجلس أمة، فبالله عليكم ما هو المشروع الحيوي التنموي الضخم الذي قام خلال فترة تعطيل الدستور لأكثر من 7 سنوات عجاف، هل بني مستشفى واحد بعد أن توقفت الحكومة عن بناء المستشفيات منذ العام 1981؟ هل تم مد طريق دائري جديد بعد أن كان الدائري السابع آخر إنجازات حكومتنا في العام 1986، هل بنيت مصفاة بعد أن كان آخر تحديث لمصفاة في الأحمدي عام 1974؟ ما المشروع الذي أنجزته الحكومات أثناء حل السنوات السبع العجاف، فمجلس الأمة كان مغيبا طوال تلك الفترة والحكومة لم تبنِ مستوصفا واحدا.
أزيدكم من الشعر بيتا وقصائد ودواوين لو أحببتم، خلال السنوات السبع العجاف على ذلك التعليق، حصلت كوارث لا تكفي مساحة هذه المقالة لسردها وفهمكم كاف، ذلك إن كان قد بقي لديكم فهم و«سلامة فهمكم»، ويكفي أننا قضينا منذ مجلس 1992 حتى آخر مجلس 2008 ونحن «نرقِّع» في أخطاء ما بعد مرحلة حل مجلس 1985.
إذا كانت صدورهم قد ضاقت بالديموقراطية فصدورنا لاتزال رحبة، وإذا كان الحراك السياسي لا يعجبهم فعليهم ألا يشاركوا فيه وليجلسوا في منازلهم وليتوقفوا عن التدليس على خلق الله وليوقفوا اسطوانة قلب الباطل حقا والحق باطلا لقاء مصالح شخصية لا تمثل ذرة رمل أمام مصلحة البلد.
إذا كان الدستور لا يعجب أولئك النواب الداعين إلى تعطيله فلماذا لم يقتصوا الحق من أنفسهم ويتقدموا باستقالاتهم، عندها فقط ربما كنا سنصدقهم، أما أن يرفسوا بخير الدستور وحصانة البرلمان ويدعوا لتعليقه فتلك لعمري فضيحة الفضائح وكارثة الكوارث.
هؤلاء النواب والكتاب و«النويشطون» سقطوا في فخ لن يخرجوا منه أبدا ولن يسامحهم الناخبون ولا القراء جراء ما ارتكبت ألسنتهم وأقلامهم في حق الدستور عندما ظنوا للحظة أن البلد خلا من العقلاء.