ذعار الرشيدي
لا أعرف جملة استهلكت حتى النخاع أو حتى الموت مثل جملة «أعزائي المشاهدين» فلا تجد مذيعا عربيا يخرج عليك ومنذ أكثر من 40 عاما إلا ويبدأ إطلالته بعد الابتسام بجملة «أعزائي المشاهدين»، فلم أتابع برنامجا عربيا إلا وجدت مذيعا أو مذيعة وهو يقول هذه الجملة مع بداية برنامجه، ويتبعها بجمل مستهلكة أخرى مثل «اسعد الله أوقاتكم» أو «نرحب بكم معنا» أو «مرحبا بكم في حلقة جديدة من برنامجنا»، الجملة الأولى المكررة المستهلكة ومعها جمل «الكلاشيهات» الأخرى تكررت ملايين المرات وبعدد شعرات رأس حمار جحا، ولاتزال حتى كتابة هذه السطور تتكرر يوميا، فمذيع البرامج الحوارية يستفتح بها حلقاته وكذلك مذيع البرامج الدينية ومعه مذيع البرامج الرياضية بل جميع المعلقين الرياضيين بلا استثناء.
شخصيا أعتقد أنه يجب على جميع التلفزيونات إصدار تعميم على جميع المذيعين بعدم استخدام هذه الجملة التي لا تعني سوى شيء واحد أن العقلية العربية التلفزيونية ومنذ بداية التلفزيونات العربية عجزت عن الإتيان بجديد، وأن 99% من المذيعين العرب ما هم سوى نسخ كربونية عن بعضهم البعض منذ بث أول إرسال إذاعي في العالم العربي وكأن المذيعين العرب قد توقفت عجلة الإبداع لديهم منذ 4 عقود وتوقفت في محطة «أعزائي المشاهدين» وكأنهم يرفضون الابتكار حتى بالجملة الاستهلالية لبرامجهم.
سبب رفضي لهذه الجملة التقليدية المقيتة هو أنها أصبحت مستهلكة إلى درجة انتهت معها تاريخ صلاحيتها ولا اسمعها إلا وأعتقد أنني أشتم رائحة غبار تخرج من شاشة التلفزيون، ونصيحتي إلى المذيعين أنه وإذا كان الشعراء النبط قد تخلوا ومنذ 30 عاما عن جملة «يا راكب اللي» التي عادة ما يستهلون بها قصائدهم فاقترح أن تحذوا حذوهم وترحمونا من جملة «أعزائي المشاهدين».
وبينما أنا أقوم أراجع تاريخ التلفزيون في الأرشيف محاولا البحث عمن أول من نطق بجملة «أعزائي المشاهدين» من العرب صدمت وأنا أقرأ أن الكويت أنشأت في العام 1969 محطة إرسال تلفزيونية في دبي تحت اسم «تلفزيون الكويت من دبي»، ولحظتها لم أقل سوى «حسافة يا كويت».
ما اكتشفته أيضا أن الاسم المتفق عليه في المجمع اللغوي العربي للتلفزيون هو «المرناة»، وهذا المجمع الذي لايزال حتى اليوم يبحث الجمع المناسب لـ «بؤبؤ» لم يجد سوى «المرناة»، وقررت أن استخدمها في جملة مفيدة مع ابني محمد وقلت له على سبيل التجربة له «قوم شغل المرناة» لحظتها أحسست أن أبا جهل هو الذي يطلب وليس أنا، أما ابني محمد فقد أدار رأسه يمينا ويسارا وقلب بصره في أنحاء الغرفة بحثا عما يمكن أن يكون ذلك الشيء المسمى «المرناة» ثم سألني «يعني شنو مرناة؟ عندها عرفت أنه ليس كل تعريب صحيحا وأنه ليس كل تغريب بالضرورة خطأ.