ذعار الرشيدي
تعرفت على الداعية الشيخ د.محمد العوضي في العام 1987 بعد أن استمعت إلى شريط إحدى خطبه التي أُوقف من أجلها ومازلت أذكر ـ إن كان قد نسي ـ جملته التي كان يصرخ في خطبته تلك بها «كيف يقول وزير التربية «سنمضي قدما» بفتح القاف والدال؟! ومازلت اذكر تعليقه على تلك الجملة، محمد العوضي الخطيب الشاب المندفع أصبح يومها علما في خطابة منابر الجمعة بين عامي 1987 و1989 حتى أوقف عن الخطابة بعد تجاوزات لم تعجب وزارة الأوقاف يومها، في تلك الأيام كان نجوم الخطابة هم نجومنا المفضلين كشباب مراهق نبحث عن الحرية والثورة حتى ولو كانت قادمة على صهوة الدعوة، وفي تلك الأيام كنا لا نعرف سوى محمد العوضي الخطيب النجم الشاب ونجم خطب الجمعة الشيخ أحمد القطان الذي كان يملأ أي مسجد يخطب فيه بمصلين من «أصقاع» الكويت وأغلبهم من الشباب اليافع الباحث عن عرض حي لأي خطبة للقطان.
ميزة د.محمد العوضي عن كثير من الدعاة أنه مثقف حقيقي وليس مدعيا، ولا هو مجرد داعية باتجاه واحد، بل يحفظ الشعر، ويجيد قراءة الفلسفة بل ويجيد إعادة تصديرها للآخر، مطلع قارئ نهم، صاحب قدرة إعلامية غير طبيعية ويتمتع بـ «كاريزما» وحضور طاغيين على الشاشة الفضية.
قبل 6 أعوام أفطرت في رمضان مع د.الشيخ محمد العوضي في منزل الزميل ماضي الخميس وكان ضيف الإفطار الداعية جعفر الجفري الذي أجريت معه حوارا أنكره بالكامل في وقت لاحق، المهم أننا صلينا المغرب وراء الجفري، وبعد أن سلمنا التفتُ للعوضي وقلت له: «يا شيخ، الجفري متهم بأنه قبوري فهل تجوز صلاتنا وراءه؟»، فضحك العوضي وقال مازحا: «إن لم تعجبك صلاته تستطيع أن تعيد صلاتك».
شخص قريب من القلب وسيلته في الدعوة كل ما ذكرته أعلاه، مهذب لا ينطق إلا بهدوء شديد، مبتسم مرح على عكس الصورة النمطية التي نعرفها عن الدعاة من أنهم متجهمون واجمون حتى يتملكك اعتقاد وأنت تحادث أحدهم بأنهم سيستغفرون منك قبل أن يستغفروا من الشيطان.
د.محمد العوضي الذي أحبه خطيبا ومذيعا وداعية تناول في مقالته التي نشرت في الزميلة «الراي» بداية الأسبوع براءة وزير الداخلية من تهمة محور الإحالة للنيابة، وهي المقالة التي لم يكن «لأمها ولا لخالها أو جدها» داع، لأنه تحدث فيها بأمر فائت فوات صلاة النائم، وبرأ الوزير من محور هو اليوم حديث الأمة جمعاء بعد أن كشف الزميل الكاتب محمد الوشيحي حقيقة مرة من أن كتاب الإحالة لم يكن سوى ذر رماد في عيون سهارى ليلة سياسية حمراء.
لم يكتف العوضي بهذا بل قال إن الوزير كان يمكن أن يرضي الأطراف غير المؤيدة له بأن يمد حبل الوصال بينه وبينهم بالإبقاء على مراكز الهجانة، وهو ما تناوله الزميل زيد مطلق الهاملي في مقالة مفصلة له الأسبوع الماضي في «عالم اليوم» عاتبا على العوضي تحوله إلى النفس الفئوي في كتابته، موضحا الزميل الهاملي أن الشيخ جابر المبارك هو من قام بإلغاء تلك المراكز وليس الخالد كما قال العوضي.
الهاملي لم يقصر في حروفه المعاتبة التي وجهها للشيخ العوضي، ولكن أنا شخصيا سأعتبر ما كتبه العوضي مجرد «سقط زند» ولكنه شرر يمكن أن يتلف ثوب البلد يا شيخ.
نصيحتي لداعيتي المفضل وشخص أحب ما يكتبه واحترم بعضا من توجهاته أن يترك عنه التناول السياسي لمن هم في داخل الملعب من أبناء المهنة وأن يحذر من «سقطة زند» أخرى قد تؤدي إلى خراب مالطة، كان الأجدر بالعوضي أن يقرب لا أن يبعد، وأن يكون حياديا لا ميالا، دون أن يرمي بنفس طبقي حتى ولو عرضا، وأن يطرح رؤيته الدعوية ويترك التفلسف السياسي لنا.
يا شيخ محمد أحبك في الله، وقد حبب الله خلقه فيك، فلا تنزع تلك المحبة عن نفسك طوعا بسقوطك العرضي في دائرة الشبهات السياسية والطبقية، وأعد كتابة ما اشتبه علينا منك.