كيف يمكن أن ننتظر أن تأخذ المرأة حقوقها كاملة في مجتمعات ترى أنه من المعيب على الرجل أو من غير الجائز أو على الأدنى أنه يجب أن يتحفظ عن ذكر اسم أمه أمام الآخرين، فمجتمع ذكوري النشأة والطابع يرى معظمهم في اسم الإنسان الأرقى منزلة في العالم بالنسبة له عيبا لا يجب البوح به أوإعلانه وكأنه سر يمكن أن يدمر حياته اذا ما كشف.
> > >
رأيت برنامجين أحدهما كويتي والثاني سعودي، وثالثا جزائريا، ورابعا مصريا، ووجدت أن أغلب المشاركين في هذه البرامج يرفضون البوح بأسماء أمهاتهم بعذر أن إعلان هذا الاسم عيب مجتمعي لا يجب ارتكابه، بل ذنب مجتمعي لا يغتفر في حال ارتكابه، والغالبية من المشاركين تهربوا من الإجابة عن سؤال: «ما اسم أمك؟»، أو لهذه الدرجة يرى الشعب الذكوري العربي أن اسم «أمه» عيب وسر لا يجب إعلانه أو البوح به تحت أي ظرف، إذا كان هذا حال معظمنا مع اسم «امه» وإعلانه فكيف نرى المرأة نفسها؟!
> > >
نعم يمكن أن نقول فخرا إن المرأة حصلت على حقوقها السياسية في الكويت، فهي تصوت وترشح، ولكن فخر ناقص إذ أنها لم تحصل على حقها المجتمعي وفق النظرة الحالية التي ترى أن مجرد ذكر اسمها عيب، لهذا لن تحصل على ذلك الإنصاف المأمول في مجتمع يرى ذكوره أن اسمها كأم أو كزوجة أو كأخت لا يجب ذكره أمام الملأ، وما لم تتغير هذه النظرة المجتمعية التي تعتبر اسم الأم سرا وشأنا أسريا داخليا، فكل حقوقها التي حصلت عليها ستكون ناقصة، وقوانين الحق السياسي مجرد حبر على ورق ديموقراطي نشف حبره منذ سنوات ولم يتم إنصافها.
> > >
ومن أسباب عدم إنصاف المرأة النظرة المجتمعية وكذلك جزء من نظرة بعض المتشددين دينيا المساندة «الموجهة اجتماعيا» والتي تضع المرأة في خانة متأخرة عن الرجال، وذلك ليس أمرا خاصا بالمجتمعات العربية فقط - حتى لا يكون الأمر جلدا اعتياديا للذات - بل أيضا في بعض المجتمعات الغربية المتحضرة توجد هذه النظرة القاصرة للمرأة، إذ يرون كما نرى أن أي إنجاز علمي تقوم به أي امرأة هو أمر استثنائي يستوجب التفكير والتأمل وإجراء الدراسات والبحوث، وأما إنجاز الذكر فأمر طبيعي وشيئ اعتيادي لا يجب أن يدخل أصلا دائرة النقاش، وبسبب تلك العقلية يتم حرمان المرأة المبدعة من أدنى حقوقها في كونها إنسانا مبدعا مجيدا متميزا في عمله دون تصنيف.
> > >
أذكر أنني كنت مع أحد المسؤولين نتحدث حول ملف بحث تجنيس أبناء الكويتيات من غير الكويتي فقال لي: «يا أخي أبوهم يجنسهم ليش حنا نجنسهم؟»، وعندما أبلغته بأن الدول الأخرى عربية وغربية تقوم بتنجيس أبناء مواطناتها المتزوجات من أجانب قال لي: «هي تزوجت أجنبي تتحمل»، وسألته: «إذن كيف للكويتي الذي يتزوج أجنبية أن يجنس أبناءه بل وزوجته الأجنبية أيضا؟»، قال لي:«يا أخي بالنهاية هي امرأة وليست رجلا»، أعدت التأكيد على أن الدستور لا يفرق بين المواطنين طبقا لفوارق الجنس، امتعض وقال لي:«انت تبي تعقدها وبس».
ولم أكن يومها أريد أن «اعقدها» بقدر ما كنت أريد أن افهم السبب المنطقي لتفصيل القوانين على مقاس الرجل فقط.
> > >
بالمناسبة لدينا قرارات حكومية توضح ما أقصده، إذ ان هناك قرارات في كل الدوائر الحكومية تمنع الأم من ان تستخرج أي مستند رسمي لأي من أبنائها، بيمنا يمنح هذا الحق خالصا للرجل سواء للأب أو لجد الأبناء من جهة الأب، في تسلسل قانوني يضع المرأة متأخرة بدرجتين عن الرجل.
وللأسف، مثل هذه القوانين والقرارات تضع المرأة في خانة غير المستحقة في ضرب للدستور ومواده بعرض الحائط.
كما قلت المشكلة ليست في الدستور أو القوانين بل في النظرة الذكورية بشكل عام التي ترى في المرأة كائنا من الدرجة الثالثة، وستظل كذلك في معظم الدول العربية وتعمل معاملة مواطن ناقص الحقوق ما لم يتم تعديل كفة النظرة المجتمعية ككل إنصافا.
ومادام التفكير المجتمعي يضع اسم الأم في في دائرة العيب غير المباح فستظل المرأة ناقصة الحقوق، فالمشكلة ليست في القوانين ولا مواد الدساتير بل في المجتمع نفسه، وتحديدا في سؤال: «شسم أمك؟».
[email protected]