أغلب محاولات إعادة صناعة الأفلام السينمائية الكلاسيكية باءت بالفشل، وسقطت سقوطا مريعا سواء على مستوى النقاد او الجمهور، ومن ابرز الأفلام التي حاولت استوديوهات هوليوود اعادة إنتاجها مثلا Total recall رائعة النجم ارنولد سوارتشنيغر والذي أنتج عام ١٩٩٠، والذي أعادت هوليوود إنتاجه تحت نفس الاسم عام ٢٠١٢، ولكن سقطت تلك المحاولة امام الفيلم الكلاسيكي الاصلي، ايضا فيلم Man on fire النسخة الأصلية منه التي أنتجت عام ١٩٨٧حاولت هوليوود إعادة إنتاجها مع النجم دينزل واشنطن عام ٢٠٠٤ ولكنها ايضا لم تكن تساوي قيمة حتى ربع النسخة الأصلية، ولم تكن تلك المرة الوحيدة التي حاول فيها النجم دينزل واشنطن اعادة احياء نسخة كلاسيكية فقد اقدم عام ٢٠١٤ على اعادة مسلسل الثمانينيات الشهير
The equalizer وتحويله الى فيلم ولكنه فشل ايضا ولم يكن ذا قيمة ولا إخراجا قدر قيمة او شهرة المسلسل الذي يحمل ذات الاسم، عامة اغلب محاولات اعادة احياء الأفلام الكلاسيكية باءت بالفشل او لنقل انها لم تكن على مستوى المأمول منها، كذلك عشاق المسلسلات من جيل الثمانينيات يتذكرون ايضا مسلسل A-team الذي اعيد إنتاجه كفيلم في العام ٢٠١٠ واعتبر يومها حتى وقتنا هذا واحدا من اسوأ افلام الأكشن أنتج في العقد السابق.
السبب في فشل محاولات اعادة الكلاسيكيات السينمائية انها أنتجت لجمهور يختلف عن جمهور اليوم وبتوليفة ونكهة زمنها سواء في الثمانينيات او التسعينيات وهي نكهة لم تعد صالحة لما بعد الألفين ولا يقبلها جمهور الجيل الحالي، حتى ان القيم التي كانت تحملها وتحويها لم تعد هي ذات القيم اليوم، القيم التي تغيرت كثيرا وتبدلت بتغير جيل او جيلين احيانا او اكثر، فما كان صالحا في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات او كما نسميه جيل الطيبين لم يعد صالحا اليوم، ومحاولة اعادة ذات الأفكار بذات الأسلوب والقصة هي محاولة فاشلة غالبا حتى وان وقفت خلفها هوليوود.
الأمر بالنسبة لي هو تماما كمحاولة اعادة كتابة رائعة جابرييل ماركيز «الحب في زمن الكوليرا»، فمهما حاولت ان تعيد كتابتها لا يمكن ان تنجح او تتميز لأنك هنا كمن يحاول اعادة بناء الأهرامات، فقد رسخت الرواية كإحدى اهم كلاسيكيات ادب الرواية العالمية، او كمحاولة اعادة كتابة رائعة المتنبي «العيد» فلا يمكن لشاعر ولا لألف شاعر مجتمعين ان يعيدوها لذات الأسباب التي ذكرتها عن الرواية والأفلام، فما يدخل عالم الكلاسيكيات الأدبية يبقى كلاسيكيا ولا يمكن لأي محاولة إعادة احيائه إلا أن تفشل.
قياسا، مع الفارق طبعا، وقرب التشبيه ايضا، فاستمرارية بعض النواب السابقين والحاليين ممن نالوا شهرتهم كمعارضين قبل العام الفين في الثمانينيات والتسعينيات ومحاولات اعادة تصدير أنفسهم بذات الأفكار والأسلوب الخطابي والنبرة العالية بل وذات المطالبات والجمل الكليشيهية هي كمحاولات هوليوود لإعادة انتاج الأفلام الكلاسيكية، فالنتيجة ستكون فشلا حتميا، لانهم يستخدمون ذات الأسلوب السياسي الثورجي المعارضجي المندفع الحماسي والمحمس، متناسين او متغافلين او ربما معتقدين ان ما كان يصلح لندوات وخطب دواوين الاثنين يصلح اليوم، وذلك خطأ سياسي كبير يرتكبونه، وهذا الخطأ أدى الى انحسار شعبيتهم بل وحصولهم على مراكز متأخرة في اي انتخابات خاضوها بعد العام ٢٠٠٣، وهذا ليس مرده لأنهم سيئون بل لان كل شيء تغير من حولهم وهم لم يتغيروا، ولم يتطوروا وظلوا كما هم.
معضلتنا السياسية ان أولئك الساسة من النواب السابقين من جيل الطيبين كمن يريد ان يبيع لعبة أتاري في زمن جهاز البلاي ستيشن الافتراضي، بل بعضهم يحاول ان يروج للعبة المقصي في زمن الآيفون.
من أعنيهم من النواب سابقين وحاليين ومحاميات أصبحوا جزءا من ذاكرتنا، أصبحوا كلاسيكيات سياسية، ومحاولة اعادة تصدير أنفسهم بذات الأفكار والرؤى والأطروحات ستجعلنا وتجعلهم وتجعل المشهد الديموقراطي اسرى للتكرار والفشل السياسي المستمر لتحقيق اي شيء وسنبقى ويبقون معنا اسرى لذات المشكلات والندوات والخطابات، لا شيء جديد يذكر، وكل فيلم ديموقراطي وأنتم بخير.
[email protected]