أسوأ شيء يمكنك أن تفعله في حياتك هو أن تحاول أن «تتفذلك» في أمر لا تفقه فيه شيئا، بالكويتي الفصيح هو أن «تتفلسف» وشخصيا مررت بعدة مواقف «تفلسفت» فيها وجميعها انتهت ولله الحمد إلى مواقف أحلتها إلى أرشيف ذكرياتي السيئة والتي كلما تذكرتها احمر وجهي خجلا رغم مرور أعوام طويلة على «تفلسفي» في أمور كنت لا أفهم فيها «كوعي من بوعي»، ولكني وبسبب تلك «الفذلكات» سيئة الذكر تعلمت ألا أفتي بما لا أفهم وألا أخجل من قول «لا أعرف» بدلا من محاولة الإفتاء بأمر أجهله كنوع من ادعاء المعرفة، ومنذ سنوات طويلة وأنا أسير وفق هذا المنهج، ولكن المجتمع العربي عامة يعاني من عقدة ادعاء المعرفة في كل شؤون الحياة فتجد الشخص في الديوانية أو معك في العمل يفهم في كل شيء في الرياضة وفي الفن والمسرح والشعر والسياسة والاقتصاد بل وحتى في الفيزياء النووية، وأعرف أشخاصا ألتقي بهم يوميا يمكنهم أن يخبروك عن طريقة عمل أجهزة الطرد المركزية رغم أن أيا منهم لا يستطيع أن يعرف خط سير أنابيب «علبة البريك» في سيارته.
ونواب الأمة وكونهم جزءا لا يتجزأ من النسيج العربي الممتد على بساط من الادعاء المعرفي اللامتناهي تجدهم يفهمون في كل شي وأي شيء، وحول أي قضية، ويفتون وينظرون، ولاحظت هذه الأيام أن عددا منهم يخرج علينا يوميا بتصريح حول حل الأزمة الاقتصادية ويفتون بفتاوى تبعد عن الاقتصاد كبعد «الوفرة عن خط العبدلي ولاحظت كما لاحظ غيري أن الجميع نوابا وكتابا بل وحتى ممثلين درجة ثانية يفتون ويطرحون حلولا للأزمة الاقتصادية غير أن أيا من خبراء الاقتصاد الحقيقيين لم يتحدث بعد وهو ما سبق وذكرته سابقا، حتى وإن تحدثوا فكلماتهم غير مسموعة فالفهم بالنسبة للجمهور محصور في نواب الأمة وبعض من النشطاء السياسيين الذين ابتلينا بهم بالإضافة إلى عدد من «المستنشطين» وهم مجموعة من الساسة المتقاعدين الذين فضلوا أن يمارسوا السياسة بدلا من حل الكلمات المتقاطعة في حدائق منازلهم الـ 1000 متر.
في غياب العقول الاقتصادية الحقيقية أو تغييبها بالأصح نحن أمام مشهد غير منطقي وهو أن الجميع حضر العزاء الاقتصادي غير أن أهل المتوفى وأقرباءه من الدرجة الأولى لم يحضروه أبدا.
ولو أراد نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية الشيخ أحمد الفهد ووزير التجارة ومعهما وزير المالية حقيقة ما يحدث لاقتصادنا فعليهم الوقوف على باب البورصة «وهو بالمناسبة مبنى بني اللون مقابل المسجد الكبير» ويسألون صغار المضاربين عمن يلتهم السوق بصفقات غير معلنة «تشدخ» بالسوق وترفعه وتزرع في أرضنا ألف علة وعلة وليسألوا عمن يمتلك حق إطلاق الشائعات عبر المسجات دون حسيب أو رقيب، ولن أدعوهم لسؤال عباقرة الاقتصاد الذي يبدو أنهم يمكن أن يفتوك هذه الأيام بكل شيء إلا الاقتصاد، كما أدعو الاخوة الوزراء الثلاثة ومعهم وزير الإعلام الشيخ أحمد العبدالله لأن يسألوا لماذا تم إيقاف المحلل والمذيع عايد العنزي عن التقديم في برنامج المؤشر الذي يبث على القناة الأولى، هل لأنه فقط يقوم يوميا بكشف تلاعبات الكبار بالبورصة؟ولماذا تم إيقافه بمكالمة هاتفية مقتضبة مفادها التالي «وقفوه وقفوه لا يطلع هذا مرة ثانية؟»، أم لأنه تجرأ وطالب بضرورة النظر في إقرار قانون المرئي والمسموع؟ أيا كانت أسباب الإيقاف التي تدور في أروقة «الإعلام» فجميعها تفيد بأن هناك قوى أقوى من الحكومة تدير بعضا من أهم قرارات حكومتنا خاصة القرارات الحيوية التي تمس اقتصادنا الوطني.
كلمة أخيرة:
ليس الغريب أن يخرج نائب ويتهم آخرين بتلقي رشاوى من الحكومة، ولكن الغريب هو أن يقول وزير إن نوابا يتلقون رشاوى من الحكومة للوقوف ضده...معقولة؟
[email protected]