ألم تلاحظوا كيف قام الأساقفة السويسريون احتجاجا على الاستطلاع الذي أيد حظر بناء المساجد في سويسرا؟ بل إن الڤاتيكان عبر عن قلقه إزاء هذه الخطوة ووصفها بأنها تضرب الحرية في مقتل، داعيا السويسريين إلى إعادة النظر في هذا الاستفتاء الذي أقر فيه 57% من السويسريين أنهم ضد بناء المآذن؟
وألم تلاحظوا كيف أن مجلس الحاخامات العالمي وصف هذه الخطوة بأنها ظالمة؟ هل من المعقول أن أهم مرجعين دينيين في المسيحية واليهودية تضامنا مع الإسلام وبطريقة تأتي من أعلى قمة هرمي الممثلين للديانتين وبإعلانات واضحة لا تقبل اللبس بجملة فحواها: «نرفض المساس بالمآذن ومع الحرية لأنه قد يأتي يوم ويكون دور تقويض أماكن العبادة على الكنائس والمعابد»، هذه الجملة هي قاعدة انطلاق موقف القساوسة المسيحيين السويسريين والڤاتيكان ومجلس الحاخامات اليهودي.
برأيي المتواضع ان هذا التضامن الغريب بين الأضداد الثلاثة، سببه المصلحة المشتركة على المدى البعيد، فرموز تلك الديانات الثلاث ولا أقول الديانات الثلاث «وهناك فرق كبير» وإن كانت حاضرة في أوروبا العلمانية بين الأفراد إلا أن رجال الدين في تلك البقعة التي تسيطر عليها العلمانية والقوانين المدنية فقدوا سلطتهم التي يستمدونها من كونهم قساوسة ومشايخ وحاخامات، وأكثر ما يخشونه هو أن تمتد يد العلمانية إلى المساجد والكنائس والمعابد التي تمثل الرموز الباقية لسلطتهم ولو بشكل رمزي على بعض من رعاياهم المداومين على الحضور.
المسألة بالنسبة للأضداد الثلاثة الذين ضمهم ولأول مرة تاريخيا إجماع على رأي رفض حظر بناء المآذن في سويسرا العلمانية، وامتد الأمر إلى أن وزيرا في الحكومة التركية «التي يديرها حزب إسلامي» بقوانين علمانية صرخ مطالبا المسلمين بسحب ودائعهم من البنوك السويسرية احتجاجا على ما وصفه بـ «النهج السويسري غير المعتدل».
الأكثر غرابة في الموضوع أن تنطلق رموز تلك الديانات الثلاث ويتهمون سويسرا بأنها ضد «الحرية»، مع أن أي دولة قامت على أساس ديني على مر التاريخ كان أساسها قمع «الحرية»، ولا شك أن هناك استثناءات وبقعا مضيئة في التاريخ، ولكن التجارب الأشمل كان عنوانها العريض «قمع الحريات» وعنوانها ضد الآخر غير المنتمي للديانة المسيطرة على الدولة.
أنا طبعا لست ضد الدين في شيء ولا ضد التدين ولكني ضد أن يكون الدين «أيا كان الدين» وسيلة للوصول إلى السلطة، الدين برأيي قناعة وغاية وليس وسيلة، وما كثير من رموز الديانات الثلاث خاصة الرموز التي تتعلق بأستار السياسة إلا أشخاص باحثون عن السلطة من باب الدين، وهنا أبدا لا أتحدث عن علماء الدين المتخصصين في الديانات الثلاث والذين يدرسون علومها سواء الإسلامية أو الكهنوتية أو اللاهوتية، ولا أتحدث عن ديني تحديدا، أنا لست ضد مشايخ الفقه بل أُجلهم وأحترمهم وأقدرهم ولكنني ضد كل من يستغل الدين ويلبس الإسلام بالسياسة، ويتخذه كوسيلة للوصول ويصور أمر وصوله إلى كرسي البرلمان بأنه انتصار للدين وكأنه يخوض حربا مقدسة رغم انتصاره الشخصي في المقام الأول، وما أن يصل حتى يبدأ بمحاولات وأد «الحرية» عبر التقدم بقوانين تضربها في مقتل مستغلا الديموقراطية «المحرمة» من وجهة نظره، ثم يأتي الآن عندما مارس السويسريون حريتهم في التصويت ويتهمهم بأنهم ضد «الحرية» التي يريدها أن تتنفس هواء نقيا في زيورخ وجنيڤ ولكنه لا يريد لها أن تشم رائحة الهواء على سواحل بحرنا.
[email protected]