ولأشهر حاول كثير من العقلاء أن يلزموا ألسنتهم، لكن الفتنة لم تحضر فقط، بل هتكت أستارهم في طريقها إلى الانتشار في أرجاء البلد خلال الأيام الستة الماضية وما قبلها، وعلى فترات متقطعة تملكني يقين بأن ما يحصل لم يكن نتيجة «رمية من غير رام» أو نتيجة جهد ذاتي لشخص أراد تسويق نفسه بما هو متوافر له من أدوات عبث فضائية بل هو جهد جماعي منظم تقوده فرقة تحمل شعارا لطالما دمر أمما بأكملها «أنا ومن بعدي الطوفان».
لست من عشاق ربط الأحداث والمعلومات بعضها ببعض لأؤكد نظرية مؤامرة تحاك ضد الوطن، لكن ما يحصل اليوم من فتنة وبأبعادها الثلاثة الفئوية والطائفية والسياسية وطريقة سيرها أفقيا وعموديا في أوصال المجتمع والمشهد السياسي، يضعنا أمام احتمال واحد وتفسير وحيد هو أن كل شيء تم سابقا في التهيئة لأجواء الفتنة وما يتم الآن لا يخرج عن أمرين إما بالون اختبار «فرقة» انفجر قبل أن يتم عملية استشعاره الكاملة أو أن أحدا ما يدير لعبة أبعادها أكبر مما نشاهده اليوم في سبيل الوصول إلى أرضية مدمرة تقبل بناء أي شيء على مسطحاتها.
فبعد أن كان البرلمان هو الأرض الخصبة لزراعة نباتات الكفر بالديموقراطية طوال ثلاث سنوات والتي كان يقصد منها دفع المواطنين إلى الإدمان على فكرة «الديرة من غير مجلس أحسن» و«المجلس سبب تعطل التنمية» و«المجلس سبب رئيسي لسرطان الرئة»، توقفت هذه الزراعة «الأفيونية» بمواجهة الاستجوابات الأربعة وصعود رئيس الوزراء والوزراء الثلاثة إلى المنصة، بعد أن اثبت الشعب أنه متمسك بالدستور حتى النخاع.
وتوجه زارعو الكفر بالديموقراطية «الممنهجون» إلى أرض أخرى وهي الشارع وبدأوا يلقون ببذور الفتنة التي سرعان ما نمت نباتاتها أسرع من نمو «المتسلقة» ولفّت أغصانها حول أقدامنا وسحبت البعض إلى ساحة معركة وهمية تفصل أبناء الوطن الواحد إلى «أنا.. والآخر»، وأشعلت النيران فرحا بولادة الفتنة أو بالأصح الطريق الجديدة نحو الكفر بالديموقراطية التي «يستذبح» البعض من أجل أن يكفر أكبر قدر ممكن من الناس بالديموقراطية لينفذوا مخططا لا أراه سوى بداية النهاية لحلم جميل اسمه «الوطن».
كل شيء أراه يسير ممنهجا ووفق جدول زمني محسوب، قد يقدم يوما وقد يؤخر شهرا بالنسبة لواضعيه والقائمين عليه، ولكنه يسير بشكل، تقدم أو تأخر، سيؤتي ثماره وسيأتي الطوفان.
سيل الفتنة كان يمكن أن يتوقف بلحظة واحدة قبل أن يجرفنا فيما لو طبق القانون كاملا ومنذ البداية، ووضعت مواده فوق رؤوس المتجاوزين وصفدت شياطين سدنة الفتنة منذ نطق الكفر الأول، لكن أن تنام الحكومة ثم تصحو على قرار «إغلاق» كان يمكن أن تفعله منذ تجاوز القانون في إدارة الانتخابات مايو الماضي، ثم تتمحك بحرية الرأي، حرية الرأي التي تغض عنها الطرف متى شاءت وتحمر العين على من تجاوزها، كائلة بمكيالين في ذات البضاعة!
لتتوقف الحكومة اليوم بل من الآن عن الكيل بمكيالين وتبدأ بتطبيق القانون على الجميع، وأن تبدأ بكشف الأوراق كاملة فمحاسبتها اللاحقة لن تكون على يد أعضاء مجلس أمة لهم أجنداتهم الخاصة في بعض استجواباتهم، بل ستكون على يد الشعب الذي فرطت حكومته «التنفيذية» في تنفيذ القانون وحماية أبنائه من فتنة يقودها قلة يفتعلون الأزمات فقط من أجل أن يكفر الجميع بالديموقراطية ويتبعون ملتهم في ضرب الدستور.
[email protected]