كما كان المخرج المصري الراحل صلاح ابوسيف رائد السينما الواقعية العربية ونقل السينما من الاستديوهات المغلقة وقصور البشوات الى الحارة والشارع المصري البسيط، كذلك كان الشاعر الراحل عيد بن مربح الرشيدي، كان له جزء كبير من حق الريادة في نقل القصيدة النبطية من عوالم العشق والتصويرات والمدح الكاذب الى عالم الواقعية الشعرية، فنقل الشعر الى عالمه والى تفاصيل معاناته اليومية.
****
صدق مع الشعر فصدق شعره مع الناس، لهذا السبب وحده وليس سببا آخر كان وراء شهرة الشاعر الكبير الراحل عيد بن مربح، وحملت قصائده الركبان قبل وسائل التواصل الاجتماعي وقبل المجلات الشعرية الشعبية، فذاع صيت قصائده اولا ثم ذاع صيته شاعرا عملاقا ذا نفس خاص ومميز، ميزته انه قريب من مشاعر الناس.
****
لم تكن المجلات الشعرية تنشر قصائده بالشكل اللائق به، ومع هذا تجاوز حدود الحظر الذي كانت تفرضه عليه المجلات كما كانت تفرض على غيره، ولأنه كان شاعرا حقيقيا غير مزيف وصل إلى الناس دون وسائط لا مجلات ولا صحف ولا تلفزيون، فكانت اجنحة شعره اكبر بكثير من تلك الوسائط فامتدت بشعره الى عموم الخليج العربي.
****
كان شعره صادقا الى درجة ان قصائده كانت مذكرات لوقائع حياته اليومية ومعاناته وتجاربه، لم تكن ابيات قصائده تشبه اي شيء آخر، كان مختلفا وبصدق، فأحب الناس اختلافه وعشق الناس صدقه، إلى درجة ان إحدى قصائده وهي الأشهر بين جميع قصائده ادعاها زورا 38 شاعرا، ولكن لأن للشعر تاريخا لا يكذب فصدق معه وأثبت حق ملكيتها الفكرية له، وسقط كل من ادعاها وبقي عيد بن مربح ملكا للشعر الواقعي بغير تاج سوى الصدق.
****
ولم يكن مستغربا ابدا ان تضج وسائل التواصل الاجتماعي بخبر رحيله الأسبوع الماضي، ونعاه نجوم الأدب والفن والسياسة على حد سواء، ونعاه البسطاء اكثر، فكان نجما شعريا في حياته وصار نجما برحيله، وهكذا عندما تأفل النجوم تترك فراغا لا يمكن الا ان يشاهده الجميع، وهكذا كان رحيل النجم العملاق عيد بن مربح، الذي كتب واقعيته وصدق في كل كلمة فصدقه الناس وصدقوا معه في حبهم له.
****
الشاعر الراحل عيد بن مربح هو سيد الواقعية في الشعر الشعبي بلا منازع، وستظل أصداء قصائده تتردد في سماوات شعر الخليج العربي لسنوات طويلة قادمة، فالشعر لا يخلد سوى من يصدقون معه، وعيد بن مربح احدهم.
****
رحم الله بوغريب وأسكنه فسيح جناته وتجاوز عنه وألهم أهله الصبر والسلوان.
[email protected]