عندما زرت الولايات المتحدة في دعوة خاصة من «الخارجية» الأميركية عام ٢٠١٤ لأكون ضمن وفد فريق جولة الحرية، اكتشفت سر تفوق أميركا على العالم، او هكذا أعتقد من وجهة نظري المتواضعة في انه السبب الرئيسي لتحول هذه البلد الناشئ الى القوة العظمى الأولى في كوكب الارض، وسقوط كل ما عداها من بلدان تضرب حضاريا في أعماق التاريخ أمام العملاق الأميركي الذي لم يتجاوز عمره ٤٠٠ عام سوى بعقود قليلة.
****
سر التفوق الأميركي ليس فقط في السياسة ولا في ريادة المجالات الثقافية الحديثة كالسينما والراديو والصحافة، بل لكون الأميركيين مهووسين بتمجيد الرواد في مجالاتهم، من فنانين وسياسيين وشعراء ورسامين وعلماء ورياضيين ووضعهم كمثل عليا للأجيال القادمة، فلديهم كأقرب مثال قاعات الشهرة التي تنشأ لتكريم الرواد في مجالات متعددة في كل ولاية بل في مدن رئيسية كثيرة تضم أسماء وصور رواد من ابناء تلك الولايات والمدن، كوميدي يكرمونه، شاعر اشتهر يرفعونه لعنان السماء ويعلنون ويضعون إرثه وسيرته في تلك القاعات التي يزورها الآلاف سنويا، حيا كان او ميتا، نجم روك ناجح موسيقي مبدع، فكل مجال لديهم مقدر بشكل خاص، ويخلقون منه انموذجا يقدمونه كقصة نجاح للجيل القادم، فيخلقون الحلم الاميركي في اذهان كثيرين ويزرعون الأمل في قلوب الشباب ليكونوا افضل وليتبعوا احلامهم، فنشأت الأجيال الأميركية المتعاقبة على الأمل والحلم في احداث تغيير ما في اي مجال قد يرون انهم يجيدونه.
****
لهذا السبب كما اعتقد ووفق نظرة متواضعة استمر توالد الحلم الأميركي جيلا بعد جيل في كل المجالات، واستمر الإبداع شعلة يتناقلها الأميركيون جيلا بعد آخر، فنالوا سبق التفوق عالميا فنيا وسينمائيا ورياضيا وعلميا وثقافيا، فكانت هوليوود مركز حلم العالم وكرة القاعدة الأميركية، والسلة، بل ان دوري كرة قدمهم الجلدية أغلى وأغنى من أغنى دوريات كرة القدم العالمية، وكانت نيويورك عاصمة العالم الاقتصادية وماساتشوتس مركز العلماء وديزني أصل الترفيه في العالم وابل ووادي السيليكون صانعة الإبهار التكنولوجي، والخيال الأميركي الأبقى والأنقى والأرقى والأعلى كعبا.
****
الأميركيون يهتمون بالفرد الناجح ويصدرونه الى الداخل الأميركي كما يصدرون نتاجه للعالم، لذا كانت أميركا وستظل شئنا ام ابينا أعجبنا ام لم يعجبنا ارض الأحلام الممكنة، خاصة وأنهم يجيدون صناعة الحلم والاهم انهم يجيدون صناعة تحقيق الحلم، فهم شعب يحلم ثم يسعى لتحقيق حلمه، سواء على مستوى فردي او على مستوى الجماعات، طبعا كل هذا في ظل عدالة اجتماعية قد تكون ظالمة لبعض الفئات.
****
والأحلام الأميركية متدرجة، أبسطها منزل وزوجة وطفلان وكلب ومنزل في الضواحي، وأعلاها رئاسة الولايات المتحدة الأميركية او ان يصبح مليونيرا في سن الثلاثين، وكل ذلك في ظل عدالة معقولة جدا وحرية حقيقية واهتمام بالناجحين.
****
ونحن يمكن ان نستنسخ هذه التجربة، بل يجب ان نستنسخها، او جزء من هذا التجربة على الاقل، فالحرية الأميركية لا تستقيم وفق القيود التي لدينا، والجزء الذي اعنيه هو خلق النماذج الناجحة في بلدنا وبناء قاعات شهرة في إنحاء البلاد لناجحين من ابناء الكويت، فقاعة لرواد الدراما والمسرح وقاعة مشاهير للرياضيين وقاعة للأطباء والعلماء الكويتيين وقاعة للرواد الأوائل في مجالاتهم، وقاعة لأبطال الحرب والشهداء، اهتمامنا بالمميزين لدينا شعلة أمانة لنماذج يجب ان ننقلها للجيل الحالي، وقاعة للساسة، ونخلق منهم نماذج للاحتذاء اذا ما أردنا خلق إرث يستحقنا ونستحقه.
****
تأسيس مثل قاعات الشهرة هذه سهل جدا وغير مكلف ابدا، وأدعو الديوان الأميري بما انه الآن يتصدى ومنذ مدة لإنشاء متاحف ودور فنية ان يضع في خطته القادمة انشاء قاعات شهرة للرواد أطباء وعلماء وتجار وفنانين ورياضيين، ويمكن ان تكون قاعة واحدة كبيرة تضم أقساما متعددة لكل مجال، ونحن لدينا من الأسماء في كل المحجالات ما يستحق ان يكون اهلا لان توضع صورته واسمه وسيرته في قاعة الشهرة، هكذا يجب ان نصدر القدوات للجيل القادم بدلا من ان نترك الجيل تحت رحمة الفاشينستات كقدوات فارغة.
[email protected]