بينما كنت أسير في أحد الشوارع وإذ بامرأة تقود سيارة ترتطم بسيارة أخرى متوقفة على جانب الشارع، فتوقفت لأراقب ماذا ستفعل، فنظرت حولها فرأتني، فقلت لها: للأمانة انزلي وانظري ماذا حدث بالسيارة الأخرى واتركي رسالة لصاحبها وبها رقم تلفونك لإصلاح ما حدث بها، فنزلت فعلا قائلة لي «يعطيك العافية»، ثم رجعت الى سيارتها لتنطلق بعدها مسرعة وكأن شيئا لم يحدث.
ساعتها تذكرت موقفا شبيها بذلك ولكنه على النقيض حكي لي عن شاب عربي يعمل في ايطاليا، فهو بعد انتهاء عمله نزل عائدا لبيته واذ به يجد رسالة على سيارته من شخص ايطالي يعتذر له عن أضرار أحدثها بسيارته وقد ترك له رقم هاتفه، عارضا عليه إصلاح ما أفسده.
إن حضارات الأمم تبنى بالأخلاق والقيم. يقول ابن خلدون: إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل.
وإن أكثر العرب قديما قبل الإسلام لم يكن لديهم دين ولكن كانت هناك منظومة من الأخلاق، مثل: الصدق والأمانة والوفاء بالعهد والكرم والنجدة وغيرها، توارثوها فصارت كشيء أساسي في حياتهم، بل ان من لا يلتزم بها يعيرونه، ومن ذلك موقف أبي سفيان قبل إسلامه مع هرقل ملك الروم حينما سئل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فخاف ان يطعن فيه بالكذب حتى لا يؤثر عنه أنه كذب يوما وتعيره العرب.
وفي بعض مجتمعاتنا العربية والمسلمة انعدم الأمران معا، فلا دين يلتزمون به ويرجعون إليه، ولا قيم أو أخلاق يتعايشون فيما بينهم اعتمادا عليها.
فنجد كثيرا من مظاهر انعدام الأخلاق مثلا بين المعلم وطلابه، والجيران بعضهم مع بعض، والبائع والمشتري، والرجل وزوجته وأولاده.
غش في البيع والشراء واحتكار وخيانة للأمانة وعدم وفاء بالوعود، كذب وعدم مراعاة لمشاعر الآخرين، بل ان البعض يرى أن له الأولوية في كل شيء فلا يلتزم مثلا بالدور عند مراجعة أي مصلحة حكومية، وإذا لفت أحد نظره فلا يجد منه الا الإهانة.
إن الإسلام ليس دين تعبد وتبتل في المسجد وكفى ولكنه دين تعبد ومعاملة في الوقت نفسه.
فقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال: لا خير فيها، هي من أهل النار.
فقالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، ولا تؤذي أحدا، فقال: هي من أهل الجنة.
ويقول رسولنا الكريم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».
ويقول: «ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره جائع». يجب على المسلم أن يترجم الإسلام في حياته كلها «قولا» و«سلوكا».
٭ همسة أخيرة: يقول أحد المستشرقين الغرب وهو الإسباني خوسيه كوندي: العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاءوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات.
[email protected]