منذ أن سنَّ كونغرس الولايات المتحدة الأميركية قانون (سفارة القدس) في نوفمبر 1995 وكل رئيس منذ ذلك الحين يستفيد من مواد الفصل السابع منه الناصة على إمكانية تأجيل تنفيذ نقل سفارة بلده إلى القدس المحتلة وذلك لمدة ستة أشهر إذا ما استدعت مصالح الأمن القومي ذلك. وقد جاء آخر «تأجيل» في ديسمبر 2016. رغم ذلك، إلا أن عهد الرئيس ترامب لا شك أنه يتسم بالمفاجآت والصدمات لاسيما وأنه قد قطع وعدا انتخابيا بتنفيذ هذا القانون كما أن يولي إيديلستاين رئيس (الكنيست) يستغل زيارته الحالية لواشنطن للحث على سرعة تنفيذ هذا الوعد.
اليوم، يرفرف علم الولايات المتحدة أعلى مرفق ديبلوماسي في شارع آغرون في القدس المحتلة لكن هذا المرفق قنصلية عامة لها استقلاليتها نوعا ما عن السفارة في (تل أبيب). ورغم أن مقر البرلمان ومكتب رئيس الكيان ومقر المحكمة العليا تقبع في «زهرة المدائن»، إلا أنه ليس في القدس أية سفارة لأية دولة في العالم حاليا. زد على ذلك أن مجلس الأمن في 1980 قد اعتبر، بموافقة 14 من أعضائه وامتناع 1، «قانون القدس» الذي شرعه (الكنيست) باعتبار المدينة كاملة وموحدة عاصمة: غير نافذ ولا شرعي.
هذا التوجس الديبلوماسي من التواجد في القدس المحتلة له من أبعاد ما للمدينة من أبعاد دينية وقومية وسياسية وتاريخية وحضارية ورمزية. وكذلك يأتي إدراكا لكون مثل تلك الخطوة استفزازية ومعطلة لأي عملية سلام «ومناهضة لقرارات ومواثيق أممية ودولية عديدة تنص على «عدم تغيير وضع القدس» وعلى كون ما تسمى بـ «القدس الشرقية» أرضا محتلة، بل ان بعضا منها يعتبر المدينة أو بعضها جزءا من الضفة الغربية وبالتالي أرض واقعة تحت الاحتلال وما يترتب على ذلك الوضع من محاذير وخصوصيات وترتيبات واعتبارات!
لكن القانون المذكور يقول في فصله الثاني: «إن مدينة القدس عاصمة لدولة إسرائيل منذ 1950»، «إن مدينة القدس هي المركز الروحي للديانة اليهودية»، «بين 1948 وحتى 1967 كانت القدس مدينة مقسمة وكان الإسرائيليون اليهود، واليهود من مختلف الدول، يمنعون من الوصول إلى المواقع الدينية الواقعة تحت سيطرة الأردن. في عام 1967 توحدت المدينة أثناء الصراع المعروف بحرب الأيام الست. منذ 1967 صارت القدس مدينة موحدة تحت إدارة إسرائيل وأعطي الأفراد من كل الديانات حق الوصول إلى الأماكن المقدسة فيها» وفي هذا تناف صارخ مع الوقائع والحقائق على الأرض فالانتهاكات الإسرائيلية بحق البشر والشجر والحجر مستمرة بلا هوادة وقد ساهمت، ولا تزال، في التبديل والإحلال الديمغرافي وغيره. كما أن هذا القانون وكأنه لا يبصر التضييق على المصلين وتدنيس الحرم القدسي الشريف وكأنه لا يعي وضع المدينة أقله من منظور القانون والمجتمع الدوليين.
إجمالا، هذا الموضوع الحساس في طياته فرصة أمام المنظمات والحكومات والأنظمة وأمام التيارات السياسية والقوى الشعبية والمنظمات المجتمعية لتجدد فيها التزامها بقضية فلسطين وأن تحقق فيه تفوقا مستحقا وأن تمارس دورا لا مناص من أدائه.
كلمات أخر: هل ينقل السفير متاعه بغتة إلى العنوان المذكور أعلاه ليكون أول ساكن ديبلوماسي يجاور وحيدا المستوطنين؟! وهل سينفرط العقد حينها فليتحق به غيره تباعا؟
[email protected]