كنت أتطلع لرحلتي إلى اليونان بلهفة، بعد غياب مشهد السفر لقرابة السنتين، وكانت تجربة مليئة بكم كبير من الصديقات، وكانت المحطة الأخيرة من الرحلة دبي لأربعة أيام، اكتشفت في اليوم الأخير إصابتي بـ «كورونا» وحدي دون من كن معي، وقْع الخبر علي كان صادما، يجب أن أعيد تخطيط كل شيء وتمديد إقامتي وتغيير تذكرتي، وإخطار العمل بذلك.
بعد كل هذه الترتيبات بدأت رحلة الحجر في فندق رغم أنه فندق به كل الخدمات، إلا أنني شعرت بقسوة التجربة.
أنا التي قضيت ما يقارب العشر سنوات في السفر لأصعب بقع الأرض ومقابلة بشر مروا بتجارب التهجير والاغتصاب، والمرض والكوارث الطبيعية، أنا التي اخترت بإرادتي أن أعيش خارج منطقة الراحة، وكنت أسعد في كل مرة حين تكون وجهتي في بلد يمر بظروف صعبة، ويصعب على أي شخص الوصول إليها، لم تكن هذه الرحلات المتعبة يوما سببا في تعاستي، بل على العكس كنت أجد بها سبباً في وجودي بالحياة.
ولكن تجربة الحجر في فندق خمس نجوم كانت مريرة، لم تكن لتضاهي رحلاتي لأفريقيا أو أربيل أو بنغلادش أو غيرها من الدول الفقيرة والمعدمة.
كانت الساعات تمر علي طويلا، مهما حاولت ملئها بالقراءة والكتابة ومشاهدة المسلسلات، كنت في غربة وخلوة لم أخترها بإرادتي وفُرضت علي فرضا، هذا الإحساس بحد ذاته كان كفيلا بأن يدمر نفسيتي في بعض الأيام.
كنت قد تقبلت الخبر، لم تكن «كورونا» متوحشة معي رغم شعوري بالإرهاق والانهاك، إلا أنني في أيام كثيرة كنت على ما يرام، ولكن هذا الشعور بسلب الحرية ولو لأيام في غرفة كان مزعجا للغاية.
الأمر الذي جعلني أشعر فعلا بأبسط النعم التي كنت أجدها أمورا عادية، كاحتساء قهوة الصباح مع زميلاتي وتلك النميمة الظريفة حول أمور عابرة في العمل.
أن أتناول وجبة مع شخص يبادلني أطراف الحديث وتصبح لتلك الوجبة طعما أجمل، بعد تناول وجباتي الثلاثة لمدة 12 يوما وحدي، أن تشاهد فيلما مع أحدهم، أن تتبادل أطراف الحديث مع إخوتك، حضن أبيك وأمك، أن تتسوق مع الأصدقاء، أن ترقص معهم، أن تقود سيارتك وأنت تستمع لأغنيتك المفضلة، تلك الأشياء الروتينية جدا باتت امتيازا في نظري الآن.
ولكنني لن أنسى كمية الحب والاهتمام من القريب والغريب، لم تتوقف رسائلهم وكانت لي السلوى بأنني قد تركت يوما أثرا جميلا لدى أحدهم وكان يدعو لي في ظهر الغيب.
في أيام كثيرة لم أكن في أحسن حالتي، فقدت أعصابي على أعز الأصدقاء، رغم ذلك تقبلوها مني بكل رحابة صدر مقدرين وضعي الاستثنائي في غربة ومرض وحدي.
وأنا ممنونة حقيقة لأن الله حباني بصديقات معدنهن أصيل، يقدرن طيبتك وظروفك دون أحكام أو منة، وأتمنى أن أرد لهن جميلهن يوما.
اليوم الذي أنهيت فيه الحجر قمت بمسحة أخيرة حتى أستطيع العودة للكويت بعدها بيوم، كان هذا يوما مليئا بالتوتر، رغم أنني كنت في حالة صحية جيدة ومتأكدة من أنني تعافيت، إلا أنني أعرف أن هناك متعافين تظل نتيجتهم إيجابية لمدة 3 شهور، ولم أكن أتصور أنني قد أبقى أسبوعا آخر وحدي.
لم أنم ليلتها أنا وجميع من يحبني لم ينم، كنا نترقب النتيجة التي كانت ستظهر في اليوم التالي، وتحديدا في الساعة الثامنة وعشرين دقيقة صباحا وصلتني النتيجة بأنها سلبية.
كانت فرحة غامرة، وشعورا بالارتياح هبط على روحي القلقة، وسأعود غدا للكويت بإذن الله، وعلى الغالب سأكون قد عدت حين تنشر هذه المقالة، شكرا لجميع من اهتم وسأل ودعا لي، ممتنة أنا اليوم لنعمة الصحة والحب وكلي لهفة للعودة إلى الوطن.
قفلة: في الفترة التي أصبت خلالها بـ «كورونا» تعرض أخو صديقة لي في الكويت للإصابة بها، وهو بنفس عمري، يرقد الآن بالعناية المركزة لأنه لم يكن مؤمن بالتطعيم، نصيحة لمن لم يتطعم، أرجوك لا تتأخر بالتطعيم لأنني على يقين بأنه أنقذ حياتي، وأتمنى أن ينقذ حياتك أيضا.