- الإدارة المالية للدولة مرّت بمحطات تاريخية استخلصت أكثرها من التجارب التي مرت بها
- مشروع القانون غفل عن دور جهاز المراقبين الماليين وفق قانون إنشائه رقم 23 لسنة 2015
- المشروع لم يعالج القصور في التشريع الحالي بالاهتمام بأصول الدولة المنقولة ونظم الشراء
تقدمت الحكومة فور تشكيلها لمجلس الأمة ببرنامج عملها التزاما بأحكام الدستور. ويتضمن برنامج عمل الحكومة عدداً من المرتكزات منها ما يتعلق بالإصلاح المالي، والذي يستهدف تحقيق الاستدامة المالية من خلال مبادرة تطوير الإدارة المالية. وتحقيق الإصلاح المالي يتطلب إعادة النظر في التشريعات المنظمة للإدارة المالية، ومن أهمها المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 بشأن قواعد إعداد الميزانية العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي وتعديلاته.
وفي هذا السياق، وفي وقت سابق، تقدمت وزارة المالية بمشروع قانون بتعديل جذري على المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 على النحو المنشور في الموقع الرسمي لوزارة المالية (www.mof.gov.kw)، تحت مسماه الجديد (قانون بشأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها)، وقد جاء هذا المشروع بعد عدة تجارب للإدارة المالية للدولة في تنظيم الشؤون المالية فيها.
فالانطلاقة الأولى للإدارة المالية الحديثة كانت قبل صدور دستور الكويت، عندما صدر المرسوم الأميري رقم (1) لسنة 1960 بشأن قانون بقواعد إعداد الميزانية العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي، والذي جاء ليرسي قواعد ثابتة لإعداد ميزانية الدولة والحساب الختامي وللرقابة على تنفيذ الميزانية، حسب رؤية المشرع في ذلك الوقت، وهي قواعد استخلصت أكثرها من التجارب التي مرت بها الإدارة المالية، والتي أثبتت التجارب صلاحيتها، وتطلبت الحاجة وجوب تقنينها لتكون قواعد مستقرة تلتزم بها الإدارة المالية والدوائر الحكومية الأخرى، لتقوم الميزانية العامة للدولة على أسس ثابتة، وهذا يعتبر من الأمور المهمة في السياسة المالية للدولة.
أما الانطلاقة الثانية فكانت بصدور المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 بشأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي وتعديلاته، والذي رأى المشرع بأن يتم وضع قانون متكامل يحل محل المرسوم بقانون رقم (1) لسنة 1960 المعمول به في ذلك الوقت، بدل من إدخال تعديلات جزئية عليه بهدف تحقيق البساطة والوضوح في التشريع، حيث وضع المرسوم بقانون المبادئ الأساسية للميزانيات سواء كانت ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية، او الميزانيات الملحقة بها، او ميزانيات الهيئات والمؤسسات المستقلة.
وقد أكد المرسوم بقانون على مبدا الشمولية والوحدة ومبدأ سنوية الميزانية، كما قرر تنظيم استقطاع نسبة مئوية سنويا من الإيرادات لتكوين احتياطي للأجيال القادمة لتامين مستقبلها، وتنظيم ما يسفر عنه نتيجة الأعمال الميزانية السنوية، هذا وعالج التشريع إجراءات إعداد الميزانية العامة للدولة وميزانيات الجهات والملحقة والمستقلة وإصدارها، ودور الجهات الحكومية المعنية في إعدادها، وتنظيم الحسابات العامة والرقابة الحسابية، وتحديد النظام المحاسبي المتبع بحسابات الدولة، وتنظيم التقارير الدورية والختامية للجهات الحكومية بأنواعها. ومقترح وزارة المالية الحالي المتمثل بمشروع قانون باستبدال المرسوم بقانون رقم (31) لسنة 1978 بشأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي وتعديلاته، في حال إقراره يعتبر الانطلاقة الثالثة لتحديث الإدارة المالية للدولة، وعلى الرغم من عدم قيام وزارة المالية بنشر المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون في شأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها، الا اننا نتوقع من هذا القانون والذي سيصدر بعد ما يزيد على 40 عاما من صدور المرسوم بقانون (31) لسنة 1978، أن يراعي التطورات التي تمت على النظم المالية العامة والتقدم التكنولوجي الهائل في مجال الأنظمة الآلية وبالأخص المالية منها، آخذا بالاعتبار معالجة الثغرات في التشريع القائم، وان يتماشى مع تطلعات ومتطلبات الإدارة المالية الحديثة في ظل رؤية الكويت 2035.
لكن هل جاء المشروع المقدم من وزارة المالية بما يتسق بشكل كامل مع متطلبات الإدارة المالية للدولة الحديثة؟ هذا ما سنوضحه من خلال قراءتنا لأحكام مشروع القانون.
الشكل والأحكام العامة
فبعد الاطلاع على المشروع نرى ان أول تغيير طال التشريع القائم هو عنوانه، والذي جاء على النحو الآتي (مشروع قانون في شأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها)، ونلاحظ ان مشروع القانون من خلال عنوانه يعكس اهتمام المشرع بركيزتين، بعدما كانت التشريع الحالي في عنوانه يهتم بثلاثة ركائز، الركيزة الأولى وهي تتعلق بالقواعد التنظيمية لإعداد الميزانيات العامة، والركيزة الثانية هي القواعد التنظيمية للرقابة على تنفيذ الميزانيات، اما الركيزة الثالثة التي وردت في التشريع القائم ولم ترد في مشروع القانون هي القواعد التنظيمية المتعلقة بالحساب الختامي والتي تمثل التقارير السنوية التي تعدها الإدارة المالية العامة للدولة، والتي نرى من الأهمية ان يكون للتقارير الدورية ومنها الختامية انعكاس في عنوان التشريع لإبراز أهميتها ولتعزيز الحوكمة والشفافية للبيانات المالية للدولة من خلال تلك التقارير. ومن جانب آخر، فقد كان متوقع أن يصحح المشروع المفاهيم المتعلقة باستخدام المصطلحات الفنية الدقيقة في شأن المالية العامة، وذلك باستخدام مصطلح الموازنة العامة بدلا من الميزانية العامة، باعتبار ان الموازنة العامة للدولة هي الأداة التخطيطية الرئيسية التي تستخدمها وزارة المالية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، هذا الى جانب استخدامها كأداة للمراجعة والمسائلة، باعتبارها بيانا يوضح توقعات وتنبؤات الدولة لإيراداتها ونفقاتها خلال فترة مقبلة، وليس بيانا ماليا خلال فترة سابقة، وقد يثير البعض بان تغيير هذا المصطلح قد يتعارض مع ما ورد بأحكام الدستور(1)، وفي رأينا لا نتفق مع هذا الطرح لان استخدام المصطلحات الفنية السليمة لن يغير من جوهر الأحكام، وما يدلل على ذلك عندما نص الدستور في أحكامه بأن ينشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية ملحق بمجلس الأمة(2)، إلا ان بموجب القانون رقم (30) لسنة 1964 تم إنشاء ديوان للمحاسبة تنفيذا لأحكام الدستور، وعدم صدوره بمسمى الرقابة المالية لم يعتبر مخالفا لأحكام الدستور.
وفي شأن المفاهيم الأخرى الواردة بمشروع القانون(3)، فقد وضح المشروع المقصود ببعض الكلمات والعبارات الواردة فيه، حيث أورد تعريف للجهات الحكومية والجهات ذات الميزانيات الملحقة والجهات ذات الميزانيات المستقلة، وفي رأينا ان التعريفات الواردة بالمشروع لا تتسم بالوضوح والدقة، حيث جاء تعريف الجهة الحكومية بمشروع القانون بشكل مغاير للتعريف بالتشريع الحالي(4)، وبما لا يتسق في رأينا مع التعريف الوارد بالمرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن نظام الخدمة المدنية وتعديلاته، باعتبار ان الجهة الحكومية تطلق على الوزارات والإدارات الحكومية والجهات ذات الميزانية الملحقة والمستقلة(5)، كما جاء ضمن تعريف الجهات الميزانيات الملحقة بأنها الوزارات التي تلحق ميزانيتها بميزانية الوزارات والإدارات الحكومية، وهذا التعريف ليس في محله فلا يوجد وزارة تلحق بميزانية الوزارات والإدارات الحكومية.
أما تعريف الأنظمة المالية فقد جاء تعريفها بأنها (هي الدورة المستندية والإجراءات والأنظمة الآلية وكافة الإجراءات واجبة الاتباع في سبيل دقة وسلامة البيانات المالية والحفاظ على أصول الدولة)، وعلى الرغم من تعدد التعريفات في هذا الشأن إلا اننا نرى ان التعريف الأنسب والأوضح للأنظمة المالية (هي العمليات والإجراءات التي تستخدمها الجهات الحكومية لممارسة الرقابة المالية والمحاسبة، وتتضمن هذه الإجراءات التسجيل والتحقق والإبلاغ في الوقت المناسب عن المعاملات التي تؤثر على الإيرادات والنفقات والأصول والالتزامات).
ومن جانب آخر، تناولت الأحكام العامة لمشروع القانون المسائل التي يتم مراعاتها عند إعداد الجهات الحكومية لميزانيتها وهي أهداف وبرامج خطة التنمية(6)، الا انه في رأينا كان يجب ان تتضمن الأحكام ما يتعلق مراعاة برنامج عمل الحكومة وذلك تأسيسا لأحكام الدستور(7).
كما تناولت الأحكام العامة إلزام الجهات الحكومية بتزويد وزارة المالية بتقارير سنوية(8)، ونرى ان مثل تلك الأحكام والمتعلقة بالتقارير يجب ان يكون مكانها في الفصل الخاص بالحساب الختامي وليس ضمن الأحكام العامة، خاصة ان ما جاء به يعتبر تكرارا الى حد كبير لما ذكر في الفصل الرابع والخاص بالحساب الختامي(9).
هذا، وأشارت الأحكام العامة الى ان تشكل بقرار من وزير المالية لجنة برئاسة وعضوية ذوي الاختصاص لمناقشة وتحديد الإطار العام لمشروع الميزانية العامة للدولة(10)، في حين ان التشريع الحالي ينص على ان تكون اللجنة برئاسة وزير المالية (11)، وفي ظل عدم نشر المذكرة الإيضاحية فإنه من غير الواضح ان كانت رئاسة اللجنة من قبل الوزير ومن ثم يعتبر ثمة هناك خطأ مادي بالمادة (برئاسته بدلا من برئاسة).
الإيرادات والمصروفات
يلاحظ ان مشروع القانون قد ألغي الأحكام الحالية المتعلقة بتحديد نسبة مئوية من جملة الإيرادات المقدرة تضاف الى احتياطي الأجيال القادمة وذلك استنادا إلى قانون رقم (18) لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام المرسوم بالقانون رقم (106) لسنة 1976 في شأن احتياطي الأجيال القادمة(12)، وفي رأينا ان تعديل القانون جاء ليصحح المبادئ المتبعة سابقا في شأن تكوين الاحتياطيات بما يتسق مع معايير المحاسبة الدولية باعتبار ان الاحتياطيات يتم تكوينها من نتائج الأعمال وليس استقطاعا مباشرا من الإيرادات كما هو منصوص عليه حاليا، علما بأنه لوحظ عدم الإشارة الى القانون رقم (18) لسنة 2020 في توطئة مشروع القانون.
هذا، وأغفل مشروع القانون دور جهاز المراقبين الماليين وفق قانون إنشائه رقم (23) لسنة 2015، والذي يلزم الجهات الحكومية عرض مشروع ميزانية الجهات على المراقب المالي لإبداء الرأي عليه قبل تقديمه إلى وزارة المالية، هذا على الرغم من ذكر قانون إنشاء الجهاز في توطئة مشروع القانون(13)، ومن المستغرب بان دور المراقب المالي في هذا الشأن ورد ضمن الأحكام المنظمة للجهات ذات الميزانية المستقلة فقط(14).
تنفيذ الميزانية والرقابة عليها
تم استحداث حكم في مشروع القانون بحيث يجيز بقرار من مجلس الوزراء - بناء على اقتراح الجهة وبعد موافقة وزير المالية - إعفاء إحدى الجهات الخاضعة لهذا القانون من كل أو بعض الديون والمستحقات المطلوبة لجهة حكومية أخرى(15)، وفي رأينا يجب ألا يكون الحكم في صياغته المطلقة على النحو المذكور بالمشروع، هذا على ان يكون اقتراح الجهة او موافقة وزير المالية مشفوع براي قانوني وعلى وجه التحديد إدارة الفتوى والتشريع.
ومن جانب آخر، يجب ان تحدد نوع الديون المعنية بالمادة فيما إذا كانت ناتجة عن الخدمات التي تؤديها الجهة الحكومية ام انها ديون غير مرتبطة بها والتي في رأينا لا تستوجب الإعفاء منها، وفيما إذا كانت الديون مسجلة بقيود نظامية ام محاسبية، وان كل تلك المسائل المثارة تأثر على قرار الإعفاء والمعالجة المرتبطة بالقرار، كما ان الأمر يتطلب بان يتم إحالة هذه المسالة الى تعاميم تصدر من وزير المالية في هذا الشأن لتحدد ماهية الديون التي يسمح بإعفاء عنها وما هي المعالجة المالية لها.
كما استحدث مشروع القانون أيضا حكم يجيز بموافقة مجلس الوزراء إدراج مبلغ الاحتياطي بالميزانية(16)، وذلك للحالات التي تقتضي تمويل بعض الاحتياجات غير المتوقعة أو التي قد تطرأ خلال السنة المالية، مع تحديد الجهة المستفيدة والهدف الاستراتيجي والبرنامج والنشاط المقصود، وعلى الرغم من عدم تعريف الاحتياطي بالتعريفات الواردة بمشروع القانون وهذا أيضا مأخذ على المشروع، براينا بان مثل هذا الحكم لا يتسق مع معايير المحاسبة الدولية باعتبار ان الاحتياطيات تتكون من نتائج الأعمال، كما اسلفنا ذكره، كما ان السحب من الاحتياطي يستلزم أداة تشريعية بدرجة قانون وليس بقرار من مجلس الوزراء، ونعتقد هنا وجود إشكالية في صياغة الهدف المقصود من هذا الحكم.
وأن كان المقصود بالاحتياطي هو تخصيص اعتماد مالي للحالات التي تقتضي تمويل بعض الاحتياجات غير المتوقعة، فيجب صياغة الحكم ضمن أحكام فصل تقدير المصروفات بحيث يتم تخصيص اعتمادات مالية على مستوى كل باب من أبواب الميزانية - حسب الأحوال - لتلك الحالات، أو التي قد تطرأ خلال السنة المالية، باعتبار بانه لا يجوز النقل بين اعتمادات أبواب الميزانية إلا بقانون وفقا لأحكام الدستور، ومثل هذا الحكم هو قريب من مبدأ الاعتمادات التكميلية المتبعة حاليا في الإدارة المالية بالدولة، إلا انها تستلزم وجود قيود واضحة لاستخداماتها مثل الطوارئ والكوارث التي تواجه الدولة، هذا ونؤكد على أهمية ان تكون هناك اعتمادات مرصودة بالميزانية لا تستخدم إلا في حالات الطوارئ والكوارث وهذا يتسق مع الاتجاهات الحديثة في إعداد الميزانيات العامة للدول.
هذا ولوحظ انه تم تعديل الحكم المتعلق بالاستثناء الخاص بإجازة إبرام عقد يترتب عليه التزام مالي يجاوز سنة مالية إلى سنة مالية مقبلة ما لم ينص القانون على تخصيص اعتماد لهذا الغرض لأكثر من سنة مالية واحدة الوارد بالتشريع الحالي(17)، حيث تمت إضافة عبارة (الخدمات الأخرى) ضمن الاستثناءات(18)، إلا ان مشروع القانون لم يوضح ضمن التعريفات تعريفا للخدمات كما هو معمول به في القانون رقم 49 لسنة 2016 بشأن المناقصات العامة وتعديلاته، وهذا أيضا مأخذ على المشروع، وعدم وجود تعريف سوف يترتب عليه وجود إشكالات في تطبيق هذا الحكم باعتباره تعريفا مطلقا.
كما لوحظ تحسين مشروع القانون للأحكام المتعلقة بالدفعات المقدمة من حيث الزام تقديم خطاب ضمان بقيمة الدفعة المقدمة، واستثناءه للاشتراكات والخدمات المتبادلة بين الجهات، بالإضافة الى تضمين الأحكام إصدار وزير المالية التعاميم اللازمة لتنفيذ هذه المادة(19)، وعلى الرغم من ذلك إلا في رأينا ما يعاب على هذا التعديل وجود استزادة في المادة وهي العبارة (...بما لا يتجاوز النسبة المستحقة قانونا...) لعدم وضوح مضمونها، هذا بالإضافة الى المثلب المتعلق في قصر الاستثناء على الاشتراكات والخدمات المتبادلة بين الجهات، حيث ان هناك اشتراكات غير حكومية تستلزم الاستثناء أيضا، على سبيل المثال وليس الحصر الدوريات التي تصدر من دور النشر المختلفة واشتراك خدمات الشبكات المخالفة (الإنترنت، الهواتف المحمولة....) هذا بالإضافة على استخدام بعض التراخيص كتراخيص البرامج الإلكترونية وغيرها.
النظام المحاسبي
إن من أهم الركائز التي يجب ان يتناولها مثل هذا التشريع المالي هي الأحكام التي تحدد النظام المحاسبي المستخدم في النظام المالي للدولة، فالتشريع الحالي قد حدد النظام المحاسبي وهو الأساس النقدي المعدل(20)، حيث لا يعتبر ضمن إيرادات السنة المالية أو مصروفاتها إلا المبالغ التي تم تحصيلها او صرفها فعلا خلال السنة المالية المعنية، كما يعتبر في حكم المصروف ما يستحق عن عمل أدى فعلا او مهام تم تسليمها خلال السنة المالية، ولو لم تستكمل إجراءات صرف هذه الاستحقاقات قبل نهاية السنة المالية لاي سبب من الأسباب، على ان تتم تسوية هذه المبالغ وفقا للشروط والأوضاع التي يحددها وزير المالية.
لكن ما جاء في مشروع القانون ان أحال لوزير المالية وضع الأسس المحاسبية التي تتم لقيد العمليات المتعلقة بتنفيذ الميزانية في الوزارات والإدارات الحكومية والهيئات ذات الميزانيات الملحقة(21)، وهو يعتبر تفويضا تشريعيا لوزير المالية بأن يحدد هو النظام المحاسبي للنظام المالي للدولة ودون أي قيد او حدود زمنية لتحديد الأساس المحاسبي.
وفي رأينا ان مثل هذا التعديل لا يعتبر تعديلا حصيفا، وذلك لأن جوهر النظام المالي للدولة هو تحديد النظام المحاسبي، خاصة ان وزارة المالية قد قطعت شوطا طويلا لما يزيد على عقدين من الزمن في اتجاه تعديل نظامها المحاسبي من الأساس النقدي المعدل الى الاستحقاق، وذلك بتكليف كبرى البيوت الاستشارية في دراسة وإعادة هيكلة العمليات في وزارة المالية، ثم تلا ذلك تبني الأنظمة المحاسبية من خلال الاستراتيجية الانتقالية للتحول الى محاسبة الاستحقاق بشكل كامل وصحيح باستخدام معايير المحاسبة الدولية في القطاع العام (IPSAS)، واستخدام دليل إحصاءات مالية حكومية (GFS2001) الذي أصدره صندوق النقد الدولي، مما استلزم استجلاب الأنظمة الآلية الحديثة (Oracle) لتنفيذ مثل هذا النظام المحاسبي.
فمن غير الموضوعي بعد تلك الدراسات والتكاليف التي تم تكبدها لا يتم تحديد النظام المحاسبي المزمع تنفيذه في مثل هذا التشريع بعد ان قطعت الإدارة المالية للدولة شوطا طويلا في هذا الاتجاه.
الحسابات والرقابة الحسابية
ألزمت أحكام مشروع القانون ان تقوم الجهات الحكومية بتطبيق الأنظمة المالية والمحاسبية التي تحددها وزارة المالية (22)، إلا ان مشروع القانون بالتعريفات قد عرف الأنظمة المالية ولم يعرف الأنظمة المحاسبية، الأمر الذي قد يترك فراغا في تفسيرات الأنظمة المحاسبية المعنية في الأحكام.
كما تناولت الأحكام تنظيما للتقارير الشهرية وربع السنوية(23)، ونظرا لورود أكثر من حكم بشأن التقارير التي تلتزم الجهات الحكومية بتقديمها في أكثر من موقع في مشروع القانون، ولأهمية التقارير باعتبارها احدى ركائز هذا التشريع، وكما أسلفنا نرى من الأهمية ان تكون للتقارير الدورية ومنها الختامية أحكام منفصلة بقسم خاص في التشريع، بما يعزز شفافية البيانات المالية للدولة ويتسق مع المعايير الدولية المتعلقة بالإفصاح.
وكان متوقعا من مشروع القانون هذا ان يعالج القصور في التشريع الحالي وذلك بالاهتمام بأصول الدولة المنقولة باعتبارها احد ممتلكات الدولة، من خلال تخصيص قسم يتناول الاحكام المتعلقة بأنظمة الأصول والمخزون وكل ما يتعلق بها من سجلات وأنظمتها الرقابية، خاصة ان التعليمات الصادرة من وزارة المالية تتضمن بشكل أساسي حسابات تتعلق بالنفقات الرأسمالية منها الأصول المتداولة، إلا ان مشروع القانون لم يتضمن الا حكما واحدا يتعلق بتحديد وزير المالية لكل النظم الحكومية المالية والإدارية والمستندية وغيرها المتعلقة بالمواد المخزنية، والأصول المنقولة منذ دخولها في حيازة الجهة وحتى التصرف فيما يخرج منها عن نطاق الاستخدام(24).
ولا يقتصر القصور على هذا الجانب فقط، وانما امتد القصور الى عدم تضمين مشروع القانون احكاما خاصة بنظم الشراء والتي تعتبر من الأنظمة المهمة التي كان من المفروض ان يتناولها مشروع القانون، خاصة ان وزارة المالية تختص بتنظيم الشراء حيث لديها قطاع مختص بشؤون التخزين ونظم الشراء، ومن الواضح ان المشرع لم يكن تحت نظره القانون رقم (49) لسنة 2016 بشأن المناقصات العامة وتعديلاته، والذي أورد فيه أحكام خاصة بإدارة نظم الشراء تتولاها وزارة المالية، حيث نصت أحكام قانون المناقصات العامة على ان تتولى وزارة المالية إصدار تعليماتها الى الجهات المخاطبة بالقانون فيما يخص عمليات الشراء بكل أنواعها، وبما لا يتعارض مع مواد القانون ولائحته التنفيذية، لذلك سقط ذكر قانون المناقصات العامة من توطئة مشروع القانون.
الحساب الختامي
يعتبر الحساب الختامي من أهم الوثائق التي تصدرها الإدارة المالية للدولة، سواء كان ذلك على مستوى الجهات الحكومية او على مستوى الإدارة المالية العامة للدولة، ورغم تحفظنا الشخصي على ما نص عليه قانون إنشاء جهاز المراقبين الماليين رقم (23) لسنة 2015 ان يتم توقيع الحساب الختامي من قبل المراقب المالي المعين بالجهة(25)، وذلك باعتبار ان المراقب المالي ليس هو المعني بإعداد الحساب الختامي، ولم يشارك فعليا في إعداده حتى يتم التوقيع عليه من قبله ويتحمل مسؤولية ما جاء به، إلا انه لوحظ عدم ذكر لأي دور للمراقب المالي في مشروع القانون، هذا على الرغم من ذكر قانون إنشاء الجهاز في توطئة مشروع القانون.
هذا، وقد أضاف مشروع القانون حكما جديدا يستند الى أحكام الدستور، وهو تقديم الحكومة إلى مجلس الأمة بيانا عن الحالة المالية للدولة مرة على الأقل خلال كل دور من أدوار الانعقاد العادية(26)، وقد لوحظ إضافة عبارة ضمن الحكم تتعلق بإصدار وزير المالية القواعد اللازمة بشأن البيانات التي يجب تضمينها في البيان، وفي رأينا ان إضافة تلك العبارة تعتبر استزادة ليس لها أساس من أحكام الدستور.
الأحكام الخاصة بالهيئات والمؤسسات الملحقة والمستقلة
تضمنت الأحكام إلغاء الاستثناء الممنوح للهيئات الملحقة الوارد بالقانون الحالي والمتعلق بعدم ترحيل الفائض من نتائج الأعمال الى الاحتياطي العام(27)، كما تم إلغاء جوازيه قيام الهيئات بعمل مخصصات واحتياطيات والاقتراض من الحكومة، ولم يتبين أسباب إلغاء المشرع مثل تلك الأحكام، والتي في رأينا كانت تميز ميزانيات الهيئات الملحقة عن ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية وتمنحها مساحة من المرونة الإدارية والمالية، هذا ولم يرد بمشروع القانون أي أحكام انتقالية تعالج التصرف بالمخصصات والاحتياطيات التي قد يكون قد كونتها الجهات ذات الميزانيات الملحقة قبل إقرار هذا القانون.
الأحكام الخاصة بالاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة
على الرغم من إفراد مشروع القانون بابا خاصا للأحكام الخاصة بالاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة، إلا ان لوحظ انه لم يرد ضمن الباب إلا حكم واحد ينص على تخصيص نسبة 10% تقتطع من صافي إيرادات الاحتياطي العام الناتجة عن استثماره وإيرادات الأموال الأخرى المستثمرة تضاف إلى احتياطي الأجيال القادمة(28)، لذا نرى من حيث الشكل العام ان يتم تضمين هذا الباب كل الأحكام المتعلقة بالاحتياطي العام والواردة في مشروع القانون في مواقع مختلفة، هذا بالإضافة لوجود ملاحظة بشأن تسمية الاحتياطي العام، حيث لوحظ إضافة كلمة (الخاصة) بعد الاحتياطي العام ولم يتبين أسباب إضافة تلك الكلمة.
الأحكام الختامية
تضمن مشروع القانون حكما جديدا وهو نشر تقارير اللجنة المختصة بمجلس الأمة وتوصياتها للحسابات الختامية والميزانيات الخاضعة لهذا القانون قبل عرضها للتصويت(29)، وفي رأينا ان مثل هذا الحكم قد يحمل مشروع القانون شبهة عدم الدستورية لتعارضه مع مبدأ فصل السلطات، حيث ان هذا الموضوع في رأينا هو من اختصاص السلطة التشريعية(30).
كما تضمن أيضا حكما جديدا بأنه يجوز للجهات الحكومية، بعد موافقة وزير المالية، صرف مستحقات تخص سنوات مالية سابقة على البند والنوع المختص بشرط تقديم الأسباب والمبررات اللازمة(31)، وفي رأينا فإن إجازة ذلك تتعارض مع المبادئ العامة الواردة بالقانون والمتعلقة بالشمولية والتي نصت على ان تشمل الميزانية جميع المصروفات المقدرة، وتحليلنا لوضع مثل هذا الحكم هو لتلافي الإدارة المالية العامة للدولة رصد مخالفات على مخالفة سنوية الميزانية التي تمثل نسبة كبيرة من مخالفات الجهات الحكومية التي ترصدها الجهات الرقابية والتي تمثل ظاهرة عامة، ولا أرى ان مثل هذا الإجراء يتسم بالحصافة وذلك لعدم معالجة أسباب بروز مثل هذه الظاهرة بالشكل الصحيح.
الهوامش
1- المادة رقم (140) من الدستور.
2- المادة رقم (151) من الدستور.
3- المادة رقم (1) من مشروع القانون.
4- المادة رقم (2) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
5- قانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية وتشجيعها للعمل في الجهات غير الحكومية.
6- المادة رقم (4) من مشروع القانون.
7- المادة رقم (98) من الدستور.
8- المادة رقم (5) من مشروع القانون.
9- المادة رقم (42) من مشروع القانون.
10- المادة رقم (7) من مشروع القانون.
11- المادة رقم (4) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
12- المادة رقم (8) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
13- المادة رقم (12) من القانون 23 لسنة 2015.
14- المادة رقم (50) من مشروع القانون.
15- المادة رقم (22) من مشروع القانون.
16- المادة رقم (27) من مشروع القانون.
17- المادة رقم (26) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
18- المادة رقم (31) من مشروع القانون.
19- المادة رقم (32) من مشروع القانون.
20- المادة رقم (28) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
21- المادة رقم (33) من مشروع القانون.
22- المادة رقم (37) من مشروع القانون.
23- المادة رقم (38) من مشروع القانون.
24- المادة رقم (39) من مشروع القانون.
25- المادة رقم (12) من القانون 23 لسنة 2015.
26- المادة رقم (44) من مشروع القانون.
27- المادة رقم (42) من المرسوم بقانون 31 لسنة 1978.
28- المادة رقم (58) من مشروع القانون.
29- المادة رقم (62) من مشروع القانون.
30- المادة رقم (50) من الدستور.
31- المادة رقم (64) من مشروع القانون.
بقلم: بدر مشاري الحماد
نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقاً)
baderalhammad.com