بيروت - عامر زين الدين
«مش حرام موسم الزيتون يضيع منا السنة»، قالت تلك المرأة السبعينية «أم صابر» من بلدة كفركلا الحدودية، وهي تتحسر على منزلها المدمر وماضي السنوات التي قضتها مع عائلتها والأحفاد، «إذ في مثل هذا الوقت نكون أنجزنا قطاف موسم الزيتون».
توجهت «أم صابر» لحفيدها مرتضى «الموسم الماضي عملنا 18 تنكة زيت و45 كيلو رص». وأكملت: «هذه هي مؤنتنا السنوية من الزيت والزيتون من حقلنا على أطراف البلدة، ويعمل الكثير من الخير وهو «مشمس» نبيع 10 تنكات ونترك 8 لمعدل سنتين، في حالة عدم وجود موسم كامل في السنة التالية».
لخصت تلك المرأة، عندما تواصلت «الأنباء» مع حفيدها مرتضى وتحدثت معها، معاناة أبناء الجنوب راهنا، حول ضياع موسم الزيتون هذه السنة وخسارته بسبب الحرب، والذي يعتمد عليه أكثر من 60% من السكان.
وكما هو معروف، فإن موسم زيتون الجنوب، بما فيه منطقة حاصبيا، يعتبر زيته ذا جودة عالية جدا، وثمة الآلاف من العائلات اللبنانية على مساحة الوطن التي تفضله على مناطق أخرى، ويدفعون ثمنه أحيانا بمبلغ أكثر. هم يعتمدون على قطفه باكرا، بحيث يستطيع ان يحافظ على عناصره الغذائية بشكل أفضل، ومدة صلاحيته في الخوابي بأمد أطول.
بداية الموسم لم تمنع الظروف القاسية التي فرضتها الحرب وتعاظم المخاطر حولها، بعض المزارعين والأهالي من محاولة ذهابهم إلى حقولهم لجني موسم الزيتون، رغم أن القصف قيد حركة تنقلاتهم، لكن الجيش الإسرائيلي كان لهم بالمرصاد. فيوجه الناطق العربي باسمه الجيش أفيخاي ادرعي عبر منصة «إكس تحذيرات متكررة إلى الجنوبيين، يدعوهم فيها لعدم التوجه نحو حقول الزيتون لحصادها، كونها في مناطق قريبة لمقاتلي «حزب الله».
الحقول في قرى الجنوب تضم ملايين أشجار الزيتون، عدا عن الشتول التي تبيعها سنويا ويقصدها الكثير من المزارعين من المناطق لتميز أنواعها خصوصا النوعين البلدي و«الكلاماتو»، ولم يوفرها القصف لاسيما في قرى النبطية الشرقية مثل زفتا وشحور وسواهما.
وقدر البنك الدولي دمار نسبة 12% من مزارع الزيتون في المناطق المعرضة للقصف في جنوب البلاد وشرقه، متوقعا في تقرير نشره حول الموضوع أن «يؤدي تعطيل حصاد الزيتون بسبب القصف والنزوح إلى خسائر تبلغ 58 مليون دولار».
فاندلاع الحرب، بما فيها القصف وتزنير المناطق والمواجهات بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله»، أدى إلى نزوح آلاف الأهالي من قراهم الحدودية. وعكس ذلك حجم الأضرار على المزارعين، بحرمانهم الوصول إلى أرزاقهم لجني المحاصيل. وعكس ذلك ارتفاعا في أسعار الزيت من معدل 100 دولارا للصفيحة إلى نحو 140 وأكثر.
وإزاء الألم الذي يعيشه أبناء الجنوب في أماكن تواجدهم التي نزحوا إليها قسرا في مناطق عدة، أدى حرق حقول الزيتون إلى زيادة معاناتهم، بما يحمل ذلك من خسائر فادحة وذكريات.
وأشار المزارع جمعة موسى من زفتا في هذا الصدد، إلى ان «موسم الزيتون يسهم في تحسين وضع صادرات لبنان إلى الخارج لتأمين حاجات اللبنانيين المغتربين المنتشرين في الدول العربية والأميركيتين».
وأضاف: «منطقة الجنوب تتميز بموقع إستراتيجي بحدودها التي تشكل مثلثا مع الحدود السورية والفلسطينية، بدءا من القطاع الغربي ويضم منطقة الناقورة، والقطاع الأوسط وضمنه عيتا الشعب، مارون الراس، بنت جبيل، إلى القطاع الشرقي الذي يضم قرى منطقة العرقوب المطلة على فلسطين».
وتابع: «يعتمد نحو 85% من سكان منطقتنا في شكل رئيسي على الزراعة، خصوصا الزيتون، تليه المنتجات المتوسطة والساحلية كالليمون والأفوكادو والرمان. والزراعة هي مصدر الدخل الأساسي».
وتابع مطالبا في هذا السياق«بأن تكون التعويضات بعد توقف الحرب في موازاة التعويض عن البيوت، كونها مصدر الرزق الأساسي. والسياسات المتبعة لا تعكس احتياجاتنا الملحة في مواجهة تحديات الحرب والتغيرات المناخية وسوى ذلك من المشاكل الزراعية المتعددة».