بيروت - عامر زين الدين
لم يوفر الجيش الإسرائيلي في إطار التدمير الممنهج الذي يطول البلدات الحدودية في جنوب لبنان ومناطق في البقاع لاسيما بعلبك والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، المراكز الدينية ودور العبادة من مساجد وكنائس وحسينيات، سواء من خلال القصف الجوي بالغارات، أو بالتفخيخ والتزنير، بشكل مباشر او عن طريق دك المباني المجاورة لتطول الشظايا ووسائل الهدم الأماكن المستهدفة.
بعد تدمير دور عبادة في مروحين ويارين وأم التوت والضهيرة في قضاء صور، ضمن محافظة الجنوب، حل السبت الأخير صعبا وقاسيا على أبناء بلدة شقرا في قضاء النبطية، من خلال استقدام الجيش الإسرائيلي آلية «بوكلين» لتدمير المسجد الأثري وسط البلدة والذي يعود تاريخه إلى أكثر من 265 سنة.
تزامن ذلك مع أضرار كبيرة لحقت بكنيسة «سيدة الانتقال» وبيت الرعية في مدينة النبطية، بعدما استهدفت غارة منزلا لآل الغفري في حي المسيحيين. وأظهرت مقاطع فيديو بثه أبناء البلدة والمنطقة لحظة الغارة التي نجمت عنها الأضرار بالكنيسة وأعمال الهدم للمسجد.
وتحولت الاستهدافات الأخيرة لدور العبادة، وهي ليست الأولى من نوعها، مادة أساسية للمواقف، خصوصا للمرجعيات الروحية، والتي استندت الى القوانين الدولية للحماية، مقابل استمرار العدوان لدور العبادة وما بلغته من تدمير غالب المساجد في البلدات الحدودية، بدءا من مسجد بلدة بيوت السياد في قضاء صور، ثم «مسجد الرسول الأكرم» في بلدة الضهيرة في القضاء نفسه.
ولعل ما اعتبره الأهالي استفزازا أكبر هو بث ناشطون وتداوله إعلاميون أيضا لمقطع فيديو، يظهر جنودا إسرائيليين أثناء تفجيرهم للمسجد، وهم يغنون بالقرب منه.
بعد ذلك دمرت الغارات الإسرائيلية في بلدات قضاء صور أيضا، «مسجد الثقلين» في ساحة بلدة مجدل سلم، ومسجدا آخر في البلدة على نحو غير كامل، ثم أكملت طريق التدمير على مسجد بلدة القنطرة، واستهدفت الطائرات مسجد بلدة طير دبا، وأيضا صالون كنيسة بلدة ديردغيا وكلها في صور.
وفي قضاء النبطية طال الهدم المسجد القديم وسط بلدة كفرتبنيت ودمر بالكامل. وكذلك المسجد بالقرب من مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، بعدما زعم الجيش الإسرائيلي تواجد عناصر من «حزب الله» داخله واستخدامه مقرا للعمليات، ثم مسجد بلدة كفردونين في بنت جبيل، ومسجد بلدة يارون في المنطقة بشكل كامل.
وأدت غارات جوية إسرائيلية إلى تضرر واجهات كنيسة مار مارون في بلدة بصليا قضاء جزين بمحافظة الجنوب.
ولأن الاتفاقيات الدولية تجرم استهداف دور العبادة أثناء الحروب، وكذلك البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، وقرار مجلس الأمن رقم 2347 لعام 2017، والتي تشدد كلها على حماية الأعيان المدنية، بما فيها دور العبادة، وحظر استهدافها أو تدميرها أو الاستيلاء عليها دون مبرر عسكري.
فقد ذكرت المواقف المستنكرة بتلك القوانين للحماية، كما لفت نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، قائلا: «بعد أن أمعن العدو في قتل العلماء إضافة إلى تدمير كل معالم الحياة من البشر والحجر، بات واضحا أن تدمير المساجد أصبح هدفا للكيان الصهيوني للنيل من هذه المبادئ».
وكشف ان «معظم البلدات والقرى الجنوبية باتت بلا مساجد، وبينها مساجد تراثية، ما يحمل المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية التراثية مسؤولية التدخل لوقف هذا العدوان، والحكومة اللبنانية والمراجع الروحية والمؤسسات الثقافية والتراثية برفع الصوت عاليا، من أجل حفظ ما تبقى من بيوت الله».
واستنكر شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز د.سامي أبي المنى «انتهاك العدو الصهيوني حرمة المراكز الدينية من مساجد وكنائس ودور عبادة، من خلال إقدامه أخيرا على تدمير مسجد بلدة شقرا الأثري والأضرار الكبيرة التي طالت كنيسة سيدة الانتقال، بما هو مخالف للشرع والقوانين الدولية والإنسانية والأخلاقية. وهذا يتطلب تدخل المجتمع الدولي وعواصم القرار والمنظمات الدولية والإنسانية لوقف العدوان».
واعتبر «عميد المجلس العام الماروني» الوزير السابق وديع الخازن ان «تدمير المساجد والكنائس ودور العبادة، هجوما مباشرا على القيم الإنسانية والدينية، وعلى حقوق الشعوب في ممارسة شعائرها بحرية وأمان. ويمثل ذلك خرقا صارخا للقوانين والأعراف الدولية، لاسيما اتفاقيات جنيف والبروتوكولات. وعلى الأمم المتحدة والجامعة العربية، والمجتمع الدولي فضلا عن المنظمات الحقوقية والإنسانية التحرك الفوري».