يتنفس مهند الكاطع، الصعداء ويقول اثناء جلوسه في مقهى دمشقي «هذه أول مرة في حياتي أستطيع الكلام» من دون خوف من عيون المخبرين وآذانهم، بعدما سقط حكم عائلة الأسد ومعه عقود طويلة من الرعب.
ويضيف الكاطع (42 عاما) لوكالة فرانس برس «كان هذا من المحظورات.. نحن نعيش حلما الآن». فحول الطاولات المجاورة، وعلى غرار بقية المقاهي في دمشق، ترتفع النقاشات السياسية، وهو مشهد كان حتى وقت قصير جدا ضربا من الخيال.
ويضيف الكاطع وهو يشرب الشاي في مقهى الروضة مستمتعا بالمناخ السياسي الجديد «كان ذلك محظورا في زمن الحكم السابق، صحيح أننا شهدنا انفتاحا نسبيا في مرحلة ربيع دمشق، لكن ذلك لم يستمر».
ففي ذلك الوقت، وتحديدا حين خلف الرئيس السابق بشار الأسد والده حافظ في رئاسة سورية عام 2000، سمحت السلطات بقيام منتديات سياسية تطالب بالإصلاحات في بلد حكمه على مدى عقود طويلة الخوف والصمت.
لكن «ربيع دمشق» لم يدم سوى بضعة أشهر، عاد بعدها بشار ليسلك سيرة والده.
ويروي مهند الكاطع قائلا «كان المخبرون في كل مكان، النادل في المقهى الذي يحضر لك النارجيلة يمكن أن يكون مخبرا».
ويتابع «كانت الحياة السياسية تنحصر في اجتماعات سرية، في بلد يردد كل أبنائه مقولة: الجدران لها آذان تسمع».
لكن مهند يبدي تفاؤلا الآن بأن «السوريين لا يمكن أن يقبلوا بعودة الاستبداد والظلامية وحكم الحزب الواحد».
وفي مقهى «هافانا» الدمشقي، يجتمع حول الطاولات ناشطون ومثقفون، من بينهم فؤاد عبيد البالغ 65 عاما، والذي كان صاحب مقهى هو أيضا، قبل أن يضطر إلى إغلاقه.
ويقول عبيد «كان رجال الأمن يمضون أوقاتهم عندي، يأكلون ويشربون من دون أن يدفعوا شيئا».
ففي زمن بشار الأسد ووالده، كان رجل الأمن عين السلطة بين الناس ويدها، ولم يكن أحد يجرؤ على مواجهته.
«أحرار لأول مرة»
ويتابع فؤاد عبيد «كنت أحاول ألا يعرف أحد أنني مالك المقهى، وكنت أطلب من الزبائن ألا يتحدثوا بالسياسة». أما الآن، فانقلبت الأوضاع رأسا على عقب.
وفي مقهى الروضة، تتعالى النقاشات السياسية، فيما لا يكاد صاحب المقهى أحمد كوزوروش يصدق ما يرى، وهو الذي شاهد مرارا عناصر الأمن يقتادون رجالا وشبانا من رواد مقهاه.
أما الآن، فالندوات السياسية تعقد في المقهى، حتى إن مجموعة سياسية ناشئة تعتزم أن تطلق على نفسها اسم «الروضة» تيمنا بالمقهى، بحسب ما يروي كوزوروش وهو متحمس.
وعلى إحدى الطاولات، تجلس الوكيلة العقارية نسرين شوبان البالغة 42 عاما مع زوجها يدخنان النرجيلة. وكانت قد أمضت ثلاث سنوات في السجن بتهمة حيازة دولارات أميركية.
لكن السلطات الجديدة أطلقت سراحها في الثامن من ديسمبر 2024 من سجن «عدرا» الشهير.
وتقول نسرين «كانوا يوهموننا بإمكان العفو العام، لكن هذا العفو جاء هذه المرة من الله تعالى».
وتضيف «لم يكن أحد يجرؤ على الكلام في المقهى، وكنا نخاف أن تكون هواتفنا عرضة للتنصت، نشعر الآن بأننا أحرار لأول مرة».
وتتابع «لم نعد خائفين، وحتى لو أخطأت الإدارة الجديدة سنشير إلى الخطأ».
وتختم نسرين شوبان «مهما جرى، لن يكونوا أسوأ من بشار الأسد».