حين يسدل الليل ستاره، كل يتوارى خلف باب همومه، العاشق المكسور يتفكر بحبيبته، واللاجئ المحروم من الأمان والدفء في خيمته التي يسكنها للعام السادس على التوالي يتفكر في وطنه، والأب البدون لا ينام الليل يفكر كيف سيسدد ايجار منزله ويستكمل رسوم دراسة أبنائه.
الهمّ واحد والأسباب تختلف، مأساة العاشق كبيرة، ولكنها ثانوية أمام مأساة لاجئ او شخص بلا جنسية، جميعهم أرهقهم الأرق ولكن وحشة الغربة قاتلة، والغربة في وطنك قاسية.
العالم يتوشح بالحروب، وأصبحت الدماء رائحته، بات السلام وأريج الحب مجرد أمنية وسط عالم قاس للغاية، لدرجة أن الرجال يتزوجون الطفلات بمباركة أهلهن، وآخرين يبيعون قطعة من جسدهم ليسددوا ديونهم التي أغرقتهم، ناهيك عن الذين ماتوا من البرد أثناء رحلة الهروب من سورية إلى لبنان وتجمدوا من البرد.
الناس تموت من قسوتهم على بعضهم البعض، ومن تقلّص الرحمة في قلوب البعض، الحروب تتسع، والمأساة تتسع، وبات العالم مكانا ضيقا جدا على الملفوظين من أوطانهم، والمضطهدين في ديارهم، والمعدمين أينما كانوا.
الليل صديق المساكين، يستمع لأوجاعهم، ويسرق النوم من عيونهم، ولكنه أضعف من أن يعيد النوم لأجفانهم.
من سيشعر بالمساكين سوى الناس العاديين الذي لا يمتلكون شيئا سوى الدعاء وبعض دنانير للتبرع.
القادة رغم سلطتهم لا يفعلون شيئا تجاه المأساة الحقيقية، والعالم محكوم بمجموعة عنصريين ومتسلطين ومجانين، العامة يدفعون الثمن، الحرية والحياة الكريمة باتت اقصى طموحات الأشخاص، الحرمان بات الصفة السائدة لملايين الأشخاص.
ما يحدث في العالم اليوم يحطم أرقام الضحايا في الحروب العالمية التي مرت، وأعداد اللاجئين تجاوزت 60 مليون لاجئ حول العالم، الهارب من سلطة حاكم مجنون، او نظام ديني متعسف، أو فقر مدقع.
من يصدق أن الأوطان التي من المفترض أنها الحضن الأكبر لأبنائها أصبحت بؤر حروب وقتل وتفجير، تلك الدول التي كان ينعم شعبها بالأمن والأمان والاستقرار، باتت تقتل ابناءها كالأم التي رمت ابنها حديث الولادة في القمامة.
من يصدق أن الأم تقتل ابنها؟! والوطن أصبح طاردا لرعيته؟
اليوم كل الاحتمالات المستحيلة باتت ممكنه، الأم قتلت أبناءها حين شردتهم وجعلتهم لاجئين، والأب قتل ابناءه حين فجرهم بالقذائف لأن الوطن هو الحضن الأكبر بات العديد لا يعرف لمن يلجأ.
المأساة في العالم تنمو وتتزايد، وأرقام الضحايا ترتفع ولا تتناقص، واليوم من الممكن أن يصبح أي شخص فينا بين ليلة وضحاها لاجئا دون أن يتنبأ بهذا.
قفلة: إن كنت تنعم بمنزل ووطن وعمل فأنت شخص محظوظ، وإن كنت تملك أكثر فأنت بنعمة كبيرة، والشعور بالآخر وأنت تنعم بخيرات الله شيء جميل، تذكر غيرك المحتاج واعطف عليه ولو بالقليل، لأن القليل أصبح في عينه كثيرا.
[email protected]