إذا ما ابتغينا الأسس السليمة والقويمة للتنمية الشاملة، وحيث اننا بصدد الاستفادة بذلك من الصين، فلننظر اذن ونتمحص بدقة، ولنتمعن الهوينى في التجربة الصينية، لعل وعسى، كانت الصين دولة فقيرة جدا بنهج شيوعي وضعيفة اقتصاديا وعسكريا وكان جل منتجاتها الغزل والقطن والحبوب، وأضحت الآن بقوة عسكرية واقتصاد يوازي الدول السبع الكبرى بل ويتفوق عليها، فتنميتها الاقتصادية ـ وفق تقرير جامعة اكسفورد ـ هي الأولى عالميا، ففي عام 1978 وبعد تولي «دينج هسياوينج» الأب الروحي للنهضة بعد نظام ماوس تونغ الشيوعي، طلب من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الموافقة على التعاقد مع خبير تنمية إدارية واقتصادية عالمي للنهوض بالصين، إلا ان طلبه قد رفضه الحزب سبع مرات واقتنعوا بطلبه وبالإلحاح منه في الجولة الثامنة.
فيمم هسياوبنج وجهه شخصيا شطر عمادة كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة اكسفورد البريطانية، الأولى عالميا في ذلك التخصص والمعرفة ليستأنس برأي خبير منهم بذلك كمستشار أول للحكومة الصينية، على ان يدفع له خمسة أضعاف راتبه وامتيازات كسفر مدفوع ثلاث مرات سنويا مع إجازة شهرين مدفوعين فأبت الجامعة ذلك، وقد يكون لضعف موقع الصين الاقتصادي، أو لربما لنهجه الشيوعي، بيد انه لم ييأس عارضا عليهم ان يتكفل بدفع رواتب هيئة التدريس بالكلية لسنة كاملة، ووافقت الجامعة على ان تضع لوحة إعلان لطلبة في عمادة الكلية، ولم يتقدم الا بروفيسور بريطاني الجنسية ومن اصول عراقية يدعى إلياس كودكيس.
وعند وصوله للصين، طلب هيساوبنج من وزرائه وأجهزته تنفيذ كل ما يطلب منهم نصا وحرفا، وبعد دراسته للوضع الصيني اقترح التحول التدريجي الى اقتصاد السوق وفتح الباب للاستثمارات الأجنبية بتسهيلات، لاسيما في مجال الصناعة.
ولقد حدد البروفيسور كوركيس 4 أسس لمشروعه مع الصين، وعلى النحو التالي:
٭ العمل من أجل حكومة نظيفة وأمينة ونزيهة، واجتزاز جميع أوجه وحالات الفساد والرشى والمحسوبيات للحزب وغيره قبل تنفيذ برنامجه.
٭ تضييق الفجوة الاقتصادية بين شرق وغرب الصين وتبادل الخبرات المختلفة والمتوافرة.
٭ العمل على تقليل التضخم بالعملة.
٭ تدريبه شخصيا للوزراء على القيادة وتعلم اللغة الانجليزية على ان ينقل الوزراء ذلك للصفوف الأدنى في وزاراتهم وبعد ثلاث سنوات (ومن خلال إعداد خطة استراتيجية لكل وزارة) بدأت أفكاره تبان للمراقبين.
وبعد خمس سنوات استطاعت الصين بلورة مفهوم السوق الاشتراكي وتحديث تسوية نظرية وتطبيقية بين الحفاظ على دورها في التدخل في الاقتصاد من جهة، وإيجاد فضاءات أو جزر اقتصادية ليبرالية من ناحية أخرى.
كما ساهم البروفيسور كوركيس بربط الاقتصاد الصيني بنظيره العالمي، مما سهل للصين الاندماج دون التعرض للمغبة والعواقب التي تواكب عادة التحول من اقتصاد مغلق الى آخر متعولم.
كما بدأ الخبير بالإصلاح في المناطق الريفية من خلال نظام الأسر المنتجة أعقبه العمل الإصلاحي في إنحاء الصين، كما سعى الى ضم الصين الى منظمة التجارة العالمية.
ويعقب لي جانغ الأستاذ في جامعة بكين بأن الرشوة والسرقة والاعتداء على المال العام كانت متفشية قبل هذا النهج الإصلاحي، ونجم عن ذلك زيادة دخل المواطن كلما زاد حجم الإنتاج التنموي.
[email protected]