الموت حق على العباد لا ريب، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، لا جرم. فكم من أناس تحت الثرى وهم بين الناس أحياء، وآخرون يجوبون الأرض تهيا وفخرا وهم عند الناس لا شك أموات. ما يميز الصنف الأول عطاؤهم لدولهم وللناس وحسن معشرهم وطيب أخلاقهم، أما النمط الثاني فيتصفون بخستهم وهوانهم على الناس.
تشرفت، وأكرر تشرفت، بتعرفي على حمد عبدالله الفارس قبل سنوات بدءا من لقاءاتنا بالصلوات في مسجد أسامة بن زيد بالنزهة وبزيارته في ديوانه العامر بين فينة وأخرى.
فبماذا تميز حمد الفارس؟ اني لأشهد بأنه من خير ما أنجبت الكويت لتواضعه وأخلاقه وكرمه ومساعدته للقاصي والداني ولمن يعرف ومن لا يعرف.
كان مثالا للأصل والفصل والجاه والغنى، بيد أنك تراه في دشداشة متواضعة واضعا الغترة على رأسه (جرمبه) من دون عقال لاعتقاده أن الشخص هو الذي يشرف الملابس، وليس العكس.
كان ديوانه في شهر رمضان مفتوحا لكل شخص للإفطار والسحور وكان يجالس ضيوفه طيلة شهر رمضان، دون أن يعبأ بالإفطار مع أهله، لأنه ليس فقط إفطار الصائم محبة لله، بل حسن المقابلة والجلوس، وكان ديوانه يعج بكل طوائف وأهل الكويت ومن غير الكويتيين، وكان يعطي كل شخص مهما كان منصبه أو رتبته حقه في الحضور والمشاركة بالقول والنقاش. عندما يسمع عن محتاج يهرول له هرولة، كنت تراه يخاطب ويتغشمر بحدود مع الحلاق والنداف غير الكويتي كما كان يكالم الكويتي. لم تفارق الابتسامة محياه حتى في سنواته الأخيرة عندما داهمه المرض كنت أحلّق في وجهه مرارا في ديوانه وقد كان يتعجب من ذلك ويبتسم عندما أخبره بأنني أرى فيه والدي، وأرى فيه خلاصة أهل الكويت، وأرى فيه سماحة وأرى فيه نخوة العروبة. في كل صيف كان يرسل لجميع الجيران والمعارف والأهل صناديق مانجا هندية يستوردها لأهل الكويت.
عندما أخبرني الاسبوع الماضي صديق العمر وجارنا م.فواز القطان بنبأ وفاة حمد عبدالله الفارس صمتّ لفترة ليس جزعا من خبر الموت فإنه حق علينا، ولكن خلال هذه الثواني التي صمتّ فيها تذكرت مآثره التي لا تحصى، وعندما سألني فواز ما بك يا يوسف؟ أخفيت حسرة دمعتي عليه، رحمه الله، وذكرت له ما ذكرت عنه في المقال، وزادني محدثي بومجبل بأمور عن حياته مع الناس وتعاطفه ما تجعل الاعتقاد بأنه من عباد الله المخلصين.
قبل سنوات وعندما غادر الى الولايات المتحدة للعلاج، هاتفته وردت علي المكالمة إحدى كريماته الفضليات بحزن، فقلت لها: يا أختاه لو تعلمين الأكف التي ترفع يوميا في مسجد أسامة بن زيد وغيرهم للدعاء له بالشفاء لعلمت أن الله لن يرجع أكفهم خواء وبعدها بفترة عاد معافى.
رحمك الله وأحسن مثواك يا أبوزياد وحشرك في دار الخلد مع سيد الخلق وآله عليهم الصلاة والسلام، ونحن نعزي أنفسنا قبل أن نعزي أسرته، فأهل الفزعة كلهم آل الفارس. فإن كان غيابك عنا يا أبا زياد بجسدك فثق أن محيا ابتسامتك ما انفك في خواطرنا، ولقد أكرمك الله بذرية صالحة من البنين والبنات والأحفاد وزوجة كريمة وفية، سيجعلون يا بوزياد ذكراك في خواطرنا. فهنيئا لك إن شاء الله جنات الخلد.
[email protected]