أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن، وأكمله بالسيرة النبوية ليكونا نبراسا للناس وهديا لحياتهم، ولم تقتصر آياته والأحاديث على الأوامر والنواهي فقط والأمور الحياتية، بل وتضمنت آيات وإعجازات، قد يمر عليها العديد مرور الكرام، وقلما تجد من يقرأ الآيات والأحاديث ويتدبر بعض مكنوناتها وجدير تدبرها، لذا يكون جل ما يكشف للمسلمين هو من عطاءات الراسخين في العلم، ألا إن من المسلّم به فيما يتعلق بإعجاز القرآن العلمي لاسيما فيما يتعلق بأمور الكون أو الأمور التي قد تكون خاطئة عن العين المجردة، فإن عطاء علماء المسلمين والعرب القدماء في ظل غياب مؤسسات للبحث العلمي والاكتشاف التكنولوجي قد عمدت احيانا إلى التخمين تارة وإلى الاجتهاد تارة أخرى حتى تطورت العلوم والمختبرات والأبحاث في الغرب فاكتشفوا معظم الإعجاز العلمي للقرآن، واقتصر دورنا على ان هذا الاكتشاف قد سردها القرآن قبل 1400 عام.
ولنأخذ قوله تعالى في سورة التكوير (فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس.. 15-16).
ففي التفاسير ان الله يقسم بما يشاء، وسمات الكون احدى آياته التي اقسم بها فالخنس جمع خانس وهو الانقباض والاستخفاء وهي الكواكب التي تخنس بالنهار فتختفي تحت ضوء الشمس ولا ترى والجوار جمع جارية من الجري أو المرور السريع، اذ ان الكواكب تجري في افلاكها والكنس جمع كانس وهي التي تختفي وقت غروبها وخلف الأفق وتستمر في النهار تحت ضوء الشمس فهي ذاهبة آتية، فالخنوس الرجوع والكنوس الاختفاء، فهناك ايحاء شعوري بالجمال في حركتها وفي اختفائها وظهورها، وفي تواريها وفي شعورها وفي جريها وفي عودتها.
اما مجريات البحث العلمي الحديث فلقد نشرت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) تقريرا رصدته عن رؤيتها للواكب والنجوم، اذ افادت ان هناك من هذه النجوم من ينظف الكون من الغبار الكوني والدخان الناجم عن انفجارات النجوم، واطلقوا عليها مصطلح المكنسة لكونها مكانس بما تعنيه الكلمة من معنى بشقها لهذه الاغبرة والدخان، فاطلقوا عليها مصطلح الثقوب السوداء نظرا لانها لا ترى فهي تماما كثقب يشفط اي دخان او غبار كوني.
ان وكالة الفضاء الاميركية لم تكتشف شيئا غير موجود، بل ومن خلال اجهزتهم الحديثة رصدوها وبينوا سبيل عملها، النجوم هذه لا ترى فهي خنس وتجري وتشفط وتنظف فهي كالمكنسة وتبين لهم كذلك بأن هذه النجوم الكنس اكبر بعشرين مرة من الشمس وذات جاذبية ضخمة تسطع بها جذب وبلع الأرض بما فيها.
فان كان التفسير بحثيا او خلافه، فإن كلام الله هو الموثوق وهي آيات يرينا الله إياها حتى يتبين لنا الحق.
وفي الإعجاز اللغوي لنقارن وصف الله للرسول صلى الله عليه وسلم: في القرآن الجليل وصف الله القمر بقوله سبحانه (قمرا منيرا) ووصف سبحانه الشمس بقوله: (سراجا وهاجا) وعندما وصف سيد الخلق صلى الله عليه وسلم قال سبحانه: (وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا).
فجمع له الوصفين ليكتمل الجمال بالجلال وليلتحم الضياء بالنور ليشرق العالم بأسره، وليشع نور النبوة ليل نهار فياله من اعجاز لغوي يفوق الفكر والتدبر، اذ ان الله جمع شق الموصوف في الشمس «سراجا» مع شق الموصوف به القمر«منيرا».
[email protected]