أثناء انتظاري لتقديم واجب العزاء بوفاة أحد الأصدقاء الأعزاء في مقبرة «الصليبخات» يوم الجمعة الماضي، كان واقفا أمامي رجل كبير بالسن وقال لصديقه: يا ليتنا ما كبرنا، فشعرت بأن تلك الكلمة قد هزتني وأثارت «شجوني»، وبعد أن أنهيت واجب العزاء وذهبت إلى السيارة كتبت تلك «الجملة» حتى لا أنساها، وكأن الذي قالها يتذكر الماضي و«حنينه» وعينه مملوءة بالدموع وبالذكريات، فكتبت:
٭ عندما كنا صغارا كان الأعزاء موجودين بيننا كالوالدين والأعمام والخوال والجدات والأصدقاء، نفرح لرؤيتهم ونشعر بالأمان وبأن «الموت» يصيب فقط كبار السن! وكلما كبرنا نبدأ بفقد الأعزاء الواحد تلو الآخر في سن مبكرة ولم يصلوا لمرحلة العمر التي كنا نعتقد ونحن «صغارا» بأن الموت يصيبها فقط، وعند فقدانهم تبدأ «الحسرات» والأحزان... وعندها نقول: ليتنا ما كبرنا.
٭ عندما تشعر بالحنين للماضي نذهب للمنطقة التي كنا نسكنها ونحن «صغارا» فنتذكر الضحكات هنا وهناك مع الأصدقاء والحياة البسيطة والقناعة وإن الحياة فقط مقتصرة على الابتسامة واللعب، وكان التسامح بيننا بالإصبع اليسار الصغير وتنتهي أكبر مشكلة ويطيح الحطب، وعندها نقول: يا ليتنا ما كبرنا.
٭ كانت طموحاتنا بسيطة، لكنها بأعيننا كانت كبيرة، ومنها شراء «لعبة» بنصف دينار نتباهى بها أمام أصدقائنا، المسؤولية «معدومة» وأحيانا تشاهد صورة تجمعك مع أصدقاء الطفولة وتشاهد أحد الأصدقاء وقد توفاه الله تعالى مبكرا فتقول: ليتك لم تمت وليتنا لم نكبر حتى نفقدك، ولما كبرنا أصبحت مشاكلنا كبيرة وقد تكون مع أقرب الأصدقاء الذين كنا نظن أنهم «سند» لنا عندما نكبر، وقد خاب ظننا فانكشفوا على حقيقتهم واننا كنا مخدوعين فأصبحت المحاكم هي الحكم في حل مشاكلنا بعد أن كان الإصبع الصغير هو «الحكم» لحل أي مشكلة وعندها نقول: ليتنا لم نكبر.
٭ كنا نعتقد ونحن صغارا أن الحرامي هو من يلبس اللبس الأسود ويضع «قناعا» على وجهه حتى لا يراه الناس ويخرج بالليل فقط ويسرق أشياء بسيطة يضعها في «منديل» ويهرب فاتضح أنه «وهم» وخيال، ولكن عندما كبرنا عرفنا بأن الحرامي هو إنسان أنيق ويلبس أفخم الملابس وغني جدا يخطط بالليل ويسرق في عز النهار!! وعندها نقول: يا ليتنا ما كبرنا وعرفنا أن الحرامي الكبير مازال يسرح ويمرح والبعض للأسف يناديه «العم» تكريما له وتقربا!!!
أخيرا... رغم تقدمنا بالعمر، إلا أن الحنين للطفولة وبساطتها يشعرنا بأننا «غرباء» رغم التطور السريع ويجعلنا نردد دائما: ليتنا ما كبرنا.
[email protected]