سكن المسيحيون الجولان المحتل منذ القديم، ويذكر أنجيل متى الرسول 16/13 – 19 جولاته مع تلاميذه إلى قيصرية فيلبي وهي مدينة بانياس في أقصى شمال الجولان، وهناك سلم رسوله بطرس مقاليد السلطة في الكنيسة. من هنا تعد أرض الجولان أرضا مقدسة ومقصدا للحجاج المسيحيين، وتحولت المنطقة برمتها من الوثنية الى المسيحية بعدما أطلق الإمبراطور قسطنطين الكبير الحرية للدين المسيحي وشجعه في العام 313، وتولى أمراء الغساسنة العرب النصارى أمر الحفاظ عليها وانتشارها فشيدت الكنائس والأديرة في الجولان، وحظيت مدينة بانياس بكرسي أسقفي لمنطقة الجولان ولاتزال بقاياها قائمة لغاية اليوم، وينقسم المسيحيون في الجولان بحسب مذاهبهم، فمنهم الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة والبروتستانت، وانتشروا في كل قرى الجولان تقريبا مجدل شمس جباثا الزيت زعورة وعين فيت وخسفين وفيق والقنيطرة وعين قنية وعين الشعرة وحينة وعرنة التي شكل عدد المسيحيين فيها نسبة 50%.
عاش المسيحيون في انسجام ووئام طائفي مع باقي الطوائف داخل القرى الجولانية منذ القرن التاسع عشر، وشكلت نسبة المسيحيين في قرى الجولان آنذاك مثل مجدل شمس وعين قنية حوالي ثلثي السكان، بعدها عملت سلطات الانتداب مع بدايات العام 1928 على تهجير السكان المسيحيين من القرى ونقلهم الى مدينة القنيطرة، لضمان عدم اندماجهم بالثورة السورية، واستغلالهم كقوى عاملة اقتصادية في المدينة التي بدأت تنتعش وتكبر، وشكلوا بعد الشركس النسبة الأكبر من عدد السكان فيها، فيما اضطر قسم كبير الى الهجرة الى دول أميركا اللاتينية وأوروبا، ورغم سياسة التفرقة التي اعتمدها الانتداب الفرنسي من تأجيج الانقسام الديني والمذهبي إلا أن عائلات عديدة بقيت إلى جانب الثوار في قرى جبل الشيخ وخاصة مجدل شمس.
خلال الثورة السورية الكبرى بين عام 1925 ـ 1927 نزح قسم منهم من مجدل شمس إلى قرية جباثا الزيت، وعادوا في العام 1928، ومن ثم توالت الهجرات إلى مدينة القنيطرة الواقعة على مفترق طرق بين لبنان وسورية وفلسطين، وآخر هجرة للمسيحيين من مجدل شمس كانت في العام 1954 وبرز فيها هجرة آل عبدالله شحادة، ولم يتبق من العائلات المسيحية سوى آل نصرالله وعبدالله يوسف الحداد الذي انتخب في العام 1965 ممثلا للفلاحين في الجولان داخل البرلمان السوري، وانتقل قسريا بعد حرب يونيو 1967 إلى الشام وبقي هناك، وكانت هناك عائلة آل فرزلي. وشهدت بلدة مجدل شمس في ظل الانتداب الفرنسي افتتاح أول مدرسة بمبادرة من رئاسة الطائفة المسيحية في البلدة وافتتحت مدرسة داخلها، وتم استقبال الطلاب على اختلاف مذاهبهم لتلقي العلم والمعرفة، وبرز آنذاك كأحد الأساتذة في كنيسة مجدل شمس الأستاذ والوطني السوري الكبير فارس بك الخوري الذي أصبح فيما بعد رئيس البرلمان السوري ورئيسا للحكومة، إضافة الى الاستاذ ابراهيم نصرالله الذي فصلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي بسبب رفضه القرارات والتعليمات الإسرائيلية حول تدريس المناهج الإسرائيلية بدل المناهج السورية، وتم اعتقاله والحكم عليه لسنوات طويلة في سجون الإسرائيلية.
تعرض المسيحيون أسوة بباقي أبناء الشعب السوري إلى اضطهاد المستعمرين والمحتلين، فلم يتبق منهم بعد العدوان الإسرائيلي في حزيران عام 1967 سوى عدة عائلات من الطائفة العربية المسيحية، موزعين في مجدل شمس وعين قنية، ولم يتبق من الكنائس والأماكن الدينية سوى كنيسة للطائفة المارونية في عين قنية تستقبل المؤمنين والزوار، وبقايا كنيسة أخرى تابعة لأوقاف الطائفة المارونية (هي بعهدة الأوقاف الدينية الدرزية)، وبقايا كنيسة للطائفة الأرثوذكسية في مجدل شمس، وكنيسة بانياس التاريخية التي سلمت من التدمير الإسرائيلي بعد عدوان 1967، وجرى ترميم الكنيسة أكثر من مرة، إلا أن أبوابها مغلقة اليوم أمام الحجاج والمؤمنين.
لقد عمل مسيحيو الجولان في مختلف الأعمال التجارية الصغيرة، وصنفوا ضمن طبقة الرأسمال الصغير، لأن أغلبيتهم من المتعلمين ويتحدثون اللغات الأجنبية (الفرنسية والإنجليزية)، ولأنهم اشتركوا في مشاريع النهضة التي دخلت المنطقة من خلال البعثات التبشيرية، وساهموا في رفع الحالة الاقتصادية وفي بناء المدارس الابتدائية، وكانوا جزءا من النسيج الاجتماعي في البلدة، بالحقوق والواجبات، واشتركوا في مشروع تقسيم أراضي مجدل شمس وتوزيعها بشكل عادل بين أبنائها، ونالوا حصتهم من الأراضي بشكل متساو وعادل. ورغم عمليات الهجرة الطوعية للمسيحيين، إلا أن البصمات العديدة التي تركوها وراءهم اليوم لاتزال حية في وجدان من تبقى في أرضه من أبناء الجولان بعد الاحتلال، ولاتزال عدة عائلات مسيحية تسكن القرى الجولانية، رغم وجود المصاعب الكبيرة التي تفرضها سلطات الاحتلال بمنع تواصلهم مع أقربائهم وأماكن العبادة الخاصة بهم وممارسة معتقداتهم الدينية المشروعة.