فيصل الزامل
يذكرني التوظيف الخاطئ لمسؤولية الوزير في بلادنا بما حدث مع جوزيف ستالين الذي حذره القادة الروس من احتمال اجتياح هتلر لبلاده، فاستهزأ بالتقارير قائلا: «انها المخابرات البريطانية تسرب اليكم هذه المعلومات كي نشاركهم حربهم ضد الألمان» فلما اجتاحت قوات الرايخ الثالث الحدود الروسية، هرب ستالين من الكرملين خوفا من بطش القادة الذين بحثوا عنه، فلما وجدوه بادرهم بالرجاء ألا يقتلوه، وان يصفحوا عنه، فقالوا له «لم نأت لهذا، ولكن كي نعمل معا لننقذ البلاد» قالوا ذلك رغم مسؤوليته المباشرة عما حدث.
عندنا، يعمل الوزير ليل نهار للارتقاء بالخدمات العامة التي اصابها الترهل لأسباب كثيرة، فإذا بهم يطلبون منه التوقف عن التطوير والخروج الفوري، ليتكرر هذا الموال الممل مع من يأتي بعده، وهم يسمون ذلك «المسؤولية السياسية» وهي تسمية غامضة، فإذا كان الوزير يتمتع بدعم فئوي فقد لبس طاقية الإخفاء ولا يرى احد من اخطائه شيئا، وإلا فالكاميرات ترصده في منامه ويقظته وحركته وسكنته، تسجل صوت انفاسه وتحصي حركات يديه وعينيه، ولا تدري بأي منطق يجري هذا كله، فقد تجاوز الروس عن ستالين رغم اقراره بمسؤوليته المباشرة، وعندنا من يستبدل الوزراء مرتين كل عام رغم الاجتهاد والتفاني، ولو ان المحاسبة كانت على المقصر قبل المجتهد لاعتبرنا ذلك تفانيا في الرقابة، والواقع يشير الى عكس ذلك تماما.
اليوم وزيرة التربية وغدا وبالامس غيرها كثيرون، وهذا والله عين العبث، فالناس لا تعرف طبيعة العلاقات التجارية لبعض السياسيين والمصالح المالية والنفعية التي يغطونها بمواقف مريبة لا تلبث ان تتحول الى العكس، اذا تم تعيين من ارادوا او انفاذ المصالح التي حركتهم، وحينما يقع حادث مثل موضوع الاعتداء على طلبة صغار ابرياء، فإن هذا الحادث البشع يتيح للبعض الفرصة لتغطية ممارساته التجارية ومخالفاته التي جعلت له قوة مساءلة الوزير الذي رفض تمرير معاملته التجارية.
لقد تم تفريغ ادوات المساءلة الدستورية من مضمونها عبر تلك التوظيفات الآثمة، واصبح الاستجواب فرصة لممارسة قلة الأدب - في بعض الاحوال - ولن ينفعنا الكلام في التفاصيل ما لم يتم تغيير المنهج السقيم الذي صرف مبادئ الدستور عن غاياتها السامية، وعطل مبدأ «المواطنون سواسية» فالبعض يملك حق توجيه الشتائم الى بقية المواطنين وتوظيف موقعه الدستوري للأعمال التجارية، فيسائل الوزير وغير الوزير بقوة الدستور اذا تعطلت مصالح شركاته، والبعض الآخر أضفى على تصرفاته هالة قدسية ما أنزل الله بها من سلطان بوصف «المجلس سيد قراراته» فهو يملك تغيير القواعد والاحكام في المسألة الواحدة مرتين وثلاثا، بحسب قدرة الضغط، لا بقوة المنطق وشفافية العدالة.
(فائدة في الشفافية)
خطب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الناس في حجة الوداع فقال: «ان الشيطان قد ايس ان يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم» اي اكتفى به. اخرجه احمد 3/313، فإن نظرت في سهولة التصادم في الآراء بين اصحاب نفس الرأي والاتجاه، ومسارعة الناس الى ايذاء بعضهم البعض بلا مبرر ظاهر، فاعلم انه قد اصابهم ما حذر منه النبي ( صلى الله عليه وسلم )، واحذر ان تكون ممن تتلاعب به الشياطين.