بقلم: فيصل عبدالعزيز الزامل
رحيل أحبابنا عن دنيانا شيء صعب، ولا يصمد أمامه إلا أهل اليقين برحمة الله التي ستجمعهم بهؤلاء الأحباب في ظروف أفضل من هذه الحياة، في روضات الجنان، هذا اليقين هو الذي جعل تلك الأم الرائعة تصبر على فقدان ابنتها قبل شهر تقريبا، في ليلة زفاف ابنها، هنا في الكويت، ففي غمرة الفرحة وبهاء الحفلة شعرت ابنتها ذات الـ 26 سنة ولها زوج وابن، بآلام نقلت على اثرها فورا الى المستشفى، ورافقتها الأم تاركة الحفلة وفي المستشفى:
قال الطبيب للأم: «هذه ابنتك؟».
قالت: «نعم».
نظر اليها لفترة بسيطة، فلما رأى منها رباطة الجأش، قال لها بهدوء «لقد فارقت الحياة».
تمالكت الأم الصابرة نفسها وطلبت تغطية الفتاة الجميلة، وأخذت تقرأ من المصحف بغير دموع، رن هاتفها، كانوا يسألون، قالت لهم: «هي بخير، استمروا فيما أنتم فيه وسأبقى أنا معها»، انتهت الحفلة وذهب الزوج الجديد مع زوجه، وتفرق الناس ونام الجميع إلا الأم التي التحق بها نفر قليل من الأهل وشاهدوا المرأة الصابرة جالسة قرب جثمان فلذة كبدها فيما يشبه صبر الصحابيات الجليلات، وما كانت لتفعل لولا اليقين بأنها مرحلة فراق قصير.. تلتقي بعده معها، أليس الله عز وجل يقول (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)؟
بالأمس فقدنا جاسم، ابن أخي أنور الخرافي، يرحمه الله، ويرحم جميع موتانا من أهاليكم الأعزاء، ويجعل لنا من تلك الأم الصابرة قدوة رائعة حدثت بالقرب منا وقبل شهر واحد فقط، وربما هناك كثيرون غيرها لا نعرفهم.. الله سبحانه وتعالى يعلمهم، وهم جميعا صور مشرقة لتأثير القوة الإيمانية في المرء في سائر مراحل حياته، بشدائدها ورخائها، هذه القوة لا يجاريها أي كلام فلسفي كونها تعتمد على المنطق، فالموتة الصغرى التي نعيشها كل يوم في المنام هي نموذج للرحيل النهائي، وفي تلك الصغرى نرى عالما آخر، وفي الكبرى سننتقل أيضا الى عالم آخر، تم وصفه لنا بدقة شديدة في كتاب الله وحديث نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن الخبل وقلة العقل المجازفة في هذه الحقيقة الكبرى التي تعقبها «حياة الأبد»..من يجرؤ على التردد وعدم وضع احتمال أنه سيصير الى الأبد في عذاب مقيم؟!
إن زيارة المقبرة بشكل دوري جرس عملاق لإيقاظ الغافلين، يخرجهم قرع هذا الجرس، ومشهد قوافل الراحلين من ضجيج الدنيا الصاخبة الى صمت القبور العميق، وينبههم مشهد إنزال جسم شخص كان بالأمس يملأ الدنيا بصيته وصوته فإذا هو اليوم لا يملك لنفسه شيئا، وليس معه إلا ما قدم من عمل صالح، يرجو ممن يحبونه الدعاء له لمواجهة ما هو مقبل عليه من أسئلة متلاحقة، تعقبها نتيجة أبدية.
اللهم ارحم موتانا جميعا واجعل مثواهم جنان الخلد الفسيحة، وارزق الغافلين منا انتباهة تحييهم بها، وتحفظهم من ضيق القبر ووحشته.. فضلا منك ورحمة، يا أرحم الراحمين.. آمين.
[email protected]