زرت مكتبة جامعة لايزبك – ألمانيا الأسبوع الماضي بمناسبة احتفال الجامعة بمرور 600 سنة على تأسيسها بدعوة من الجهات المشرفة عليها، ومن خلالها تعرفت عن قرب على ألمانيا وما يشغلها من الداخل، حيث يمثل تحقيق التجانس الثقافي بين الناس هاجسا رئيسيا من مجموعتين، الأولى هي «المهاجرون» سواء من البلاد العربية وتركيا أو من مهاجري شرق أوروبا، والثانية تتصل بالشعب الألماني الموحد في جزئه الغربي والشرقي اللذين عاشا نصف قرن بعيدين عن بعضهما البعض، وقد لفتت نظري في هذا البلد مسائل محددة، أبرزها:
- يكرهون هتلر بشدة، فهو الذي تسبب في مقتل 20 مليون ألماني، جزء منهم قتل إبان حكمه، ويعتبر أداء التحية على الطريقة النازية جريمة تستوجب العقاب، بينما لايزال في بلادنا العربية من يمجد قادة تسببوا في إذلال الشعوب، واحتلال مقدساتهم عام 67، وأجزاء كثيرة من العالم العربي.
- تجري الانتخابات النيابية على مستوى الولايات وعددها 16 ولاية بصوتين لكل ناخب في منافسة بين عدد من الأحزاب التي يصعب على أي منها التفرد بتشكيل الحكومة، الأمر الذي يضطر الأحزاب هناك لإبرام تحالفات قبل بدء الحملة الانتخابية ما يجعل الصورة واضحة تماما أمام الناخبين قبل التصويت، وعددهم 62 مليونا يقدمون إلى البوندستاغ 598 نائبا عنهم.
- منذ عام 1949 أقر البرلمان 6200 قانون، غالبيتها طرحتها الحكومة والقليل منها اقترحه النواب، ويعتبر البوندستاغ من أقل البرلمانات الأوروبية في الجدل السياسي.
- وصلت ألمانيا الى هذا الاستقرار السياسي بعد معاناة طويلة (فقدت أوروبا في الحرب العالمية الأولى 15 مليون إنسان، 700.000 منهم ماتوا في معركة «فيردان» وحدها، وفي الحرب العالمية الثانية مات 60 مليون إنسان.. وقبل ذلك في عام 1816 نشبت حرب الثلاثين عاما بين البروتستانت والكاثوليك ذهب الملايين ضحايا لها) وقد عمت الفوضى ألمانيا عام 1919 وقتل الكثيرون بسبب الهرج، منهم «روزا لوكسمبورغ» التي تبنت قضية إنصاف العمال في الأجور، لم يعرف أحد من هو قاتلها.
- إذن كانت تكلفة الاستقرار الحالي مرتفعة جدا جدا، هل نستفيد من تجارب الآخرين، ونبدأ من حيث انتهوا؟
نجح الاقتصاد في توحيد أعداء الأمس في أوروبا وتحول خصوم الماضي الى كتلة اقتصادية عالمية ضخمة تضم 27 دولة – كانت البداية بـ 6 دول - بعد عمل مكثف لتقريب أنظمة الدول الأوروبية وتوحيد عملتها.
رغم كل هذه المؤشرات فإن علاقة العالم العربي بألمانيا على المستوى الثقافي والإداري والتعليمي بسيطة جدا، أعداد الدارسين فيها من العرب ودول الخليج منخفضة ولا تقارن بغيرها سواء في الغرب أو حتى شرق آسيا، وهو أمر لفت نظر المسؤولين أثناء لقاءاتنا معهم، وقد تقبلوا ملاحظة تتعلق بضعف التأثير الإداري والفني للمشاريع التي ينفذونها في بلادنا هم واليابانيون، في حين حقق التواجد طويل الأمد أثرا في تغيير أنماط الإدارة كما فعلت شركة آرامكو، و«ايكويت»، ومستشفيات عديدة ارتبطت بجهات أميركية – اتفق أحدها مع «جنرال اليكتريك» على تزويد سائر وحداته بأحدث التجهيزات وسحب أي جهاز يتم تصنيع جيل جديد منه واستبداله بالجديد – مثل ذلك في الزمالة مع الجامعات الخاصة والحكومية، وكثيرا ما رافق اسم أطبائنا «البورد الكندي» و«البورد البريطاني».. في حين لا يعرف الناس أي تأثير لمحطة الكهرباء التي نفذتها شركة ألمانية على أنماطهم المعيشية الإدارية.
نتمنى أن تتوثق العلاقة بهذا البلد المتميز في تشريعاته القانونية وأنظمته المتطورة التي لم يكتب لنا في الخليج التعرف عليها بالعمق الكافي، مثلما فعلنا مع غيرها مما لدى الدول الأخرى المتقدمة.
كلمة أخيرة:
تتطلع ألمانيا الى تنشيط علاقاتها الثقافية مع منطقة الخليج، ونحن نتأهب في الكويت لانطلاقة ضخمة لاستدراك ما فاتنا، ما يعني أهمية أن تبنى الانطلاقة الجديدة على أسس جديدة في الفكر التنموي، والبحث عن شركاء راغبين في بناء تعاون استراتيجي، والأمر متروك لتقدير أصحاب النظرات الأبعد... مما نراه نحن المواطنين العاديين!