في ممر إحدى المكتبات نادى شخص صاحب المكتبة، وقال: أريد كتابا يعلمني كيف أعيش الحياة وأتعامل معها؟ فقال: هناك كتب التجارب وكتب المحفزين وكتب الذين ضلوا طريق السؤال وكتب من صنعوا الإجابة التي تخصهم.
فماذا تريد؟ فقال: أريدها تجيب عن أسئلتي من وجهة نظري.
قال: ما رأيك في أن تكتب كتابا تبدأ فيه برحلتك مع السؤال.
فمن هنا يتعلم الإنسان دون الحاجة لمن ينير له البصيرة أو يعطيه حكمة وجيزة.
الوجهة رقم واحد: التقى شخصان عند منصة المبارزة، فقال الأول: ما سلاحك، أتظن أنك ستغلبني! قال الثاني: ما فكرتك عنك وليس عني، هل تظن أنني سأغلبك؟
حين ترى فقط ما عند خصمك ستتضاءل رؤيتك لما عندك.
الوجهة رقم اثنين: عند نفس المكان يلتقي شخص يسمع وآخر يرى فقط.
فقال الأول: هل هناك ما يستحق أن أراه؟ قال الثاني: هااه.
بالضبط هذا المشهد الحاصل عندما نبحث عن حياتنا في عيون تجارب الآخرين.
يصبح الواقع مريرا ونفوت فرصة أن نعيش إجابتنا التي تغذينا بالثقة يوما بعد يوم.
المشكلة تبدأ منذ الصغر حين نحاول أن نحفز أبناءنا بطريقة خطأ ونقول صير مثل فلان وتعلّم منه، نحن لا نحفز بقدر أن نهدم ونشتت انتباههم عما عندهم من قدرات، نحبط عزيمتهم ونفاجأ في النهاية بفشلهم.
الرؤية المنبثقة من العدم دوما تأتي بغير المهم، أما التي تشرق من معرفة مَن نحن تجعلنا نرى العكس ونكتشف أنفسنا في ظل ما يحرك حافزنا وليست دوافعنا.
إذا أردت أن تعرف كيف تعيش الحياة؟ فعليك أن تبحث عن الإجابة في الذات، أن تدرك كيفية الانسجام مع ما تعيش، أن ترى جوانب تجعلك تطلع على ما تحب وتكره ما تريد وترفض دون أن تكون متحيزا لأحدهم بشكل مبالغ.
انسجامنا وتكيفنا مع ما نعيش هو الذي يجعلنا نصل الى العيش السلمي ويمدنا دوما بإجابات تسهل علينا الحياة.
كيفية الانسجام؟ ألا تضع توقعات ولا تبدأ بإظهار الفروق السبعة، فقط عش ما لا تريد ليصبح متقبلا لديك.
لو كنت تعيش واقعا لست راضيا عنه كامل الرضا تذكر أن أنصاف الحلول تفيد، فليس مطلوب منك أن تعيش في واقع مثالي، كلما تقبلت أسرع استطعت أن تجد ما يجعلك راضيا بشكل أكبر.
في قديم الزمان كان هناك شخص يعيش في أعلى الجبال معتزل الناس، وكان يثير فضول أهل القرية، كيف يعيش وكيف استطاع أن يكون صامدا طوال هذه السنوات؟ هل مازال على قيد الحياة؟ أسئلة تتوارثها الناس بإجابات مختلفة، أحدهم يقول صارعه ذئب وافترسه، لكن كل الإجابات لم تكن مقنعة، ففي كل ليلة يشاهد فتيل نار أعلى هذا الجبل، فقرر أحدهم أن يذهب ليقابل هذا الرجل ويعرف الكثير عنه، وفي إحدى الليالي وبينما كان يستدل بالفتيل سمع خطوات تدحرجت خلفها قطع صخرية أوحت له بوجود ذئب أو حيوان مفترس، فارتعب وتوقفت خطواته وقرر أن يعود من حيث أتى، وما أن أزاح نظره حتى ظهر رجل نحيل وسأله ماذا تريد؟ فقال: أتيت باحثا لا هازما ولا مهزوما يقودني الفضول للمعرفة.
فقال: لك ثلاثة أسئلة.
كيف تعيش بعيدا عن بني جنسك؟ لقد وجدت في العزلة صفوة البال والبعد عن القيل والقال وعرفت نفسي حق معرفتها، ولو استطعت أن تعيش وأنت بينهم كذلك فقد ربحت حياتك.
وهل تخاف؟ الخوف إن عشته ما عدت تخاف، فما الذي سيكون أسوأ منه.
السؤال الأخير: لماذا تشعل الفتيل وأنت لا تنزل لأسفل؟ فقال: لأن النار توحي بالحياة، وأردت أن يعرف كل الناس أن النور الذي يأتي من بعيد قد يضيء لهم ظلام أنفسهم وقد يجعلهم يتذكرون أن فتيل النور يكبر كلما اقتربت منه ويصغر كلما بعدت عنه، كذلك فتيل البصيرة والنفس.
Dr_ghaziotaibi@