يبدو من المتأخر جدا أن نبحث في سلبيات وإيجابيات الخصخصة، خصوصا في ظل وجود تجارب كثيرة بدأت منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وللوهلة الأولى قد يكون من المثير للدهشة أن تثار كل هذه الضجة عندنا على موضوع الخصخصة، وكأن المصطلح اكتشف للتو.
ولكن مع ذلك ثمة مبررات تجعلنا نتلمس العذر لهذه الضجة. منها أن لكل تجربة خصوصيتها التي لا تنطبق على الأخرى. فالخصخصة في بلد يتحول مثلا من الاشتراكية إلى القطاع الخاص، لا تشبه الخصخصة في بلد أصلا اقتصاده حر. الأمر الآخر ان المواطن عندنا اعتاد على نمط معين من الحماية الحكومية، والدفع الحكومي، فنحن نعيش أحيانا على مبدأ: «المواطن يدعو للمأدبة والحكومة تدفع الحساب». لذلك سيكون من الصعب على المواطن أن يجد «المحاسب» بين ليلة وضحاها، وقد رفع يده وتركه يواجه فاتورة «المأدبة» التي سيقدمها له رجل الأعمال.
الأمر الآخر ان التحول الى القطاع الخاص يكون عادة جراء الفشل الإنتاجي للقطاع العام، والذي ينجم أيضا عن تضخم العمل في هذا القطاع نتيجة إقصائه للقطاع الخاص في أكثر من موقع إنتاجي، فيتحول الاحتكار الحكومي إلى عبء عليه، فيتخلص منه لا بإلقاء حمولته الزائدة في البحر، ولكن بوضعها في عهدة قطاعات أخرى قادرة على التشغيل وتحقيق الربحية. وهذا الأمر يكاد معارضو الخصخصة في الكويت يستشفونه ويجعلونه في صفهم، اذ انه ليس كل القطاعات العامة عندنا فاشلة، وهذا يدفع القلم باتجاه منطقة وسطى في الخصخصة، تتمثل في «غربلة» القطاعات الناجحة من نظيرتها الفاشلة، فنعهد بالثانية الى «العناية المركزة» في القطاع الخاص، لإنعاشها وإعادة النبض الى شرايينها.. كقطاع البريد مثلا.
ومن الناحية العملية وبعيدا عن العواطف التي قد تميل «مع أو ضد»، هذه القناعة أو تلك، فإن هناك مسارا حتميا باتجاه الخصخصة، إذا لم يكن اليوم فغدا، لأن القطاع العام لن يتمكن من السير كل هذه السنوات المقبلة وهو يحمل على رأسه هذا الثقل الكبير من القطاعات الخدمية والإنتاجية.
وإذا كان الأمر كذلك فلا وسيلة الا أن نبدأ بحماية المواطن من الآن وذلك بتنزيه الخصخصة عن المصالح والاعتبارات السياسية والمحسوبيات، والنأي بها عن كل شبهات الفساد، وأن تكون الاسعار الممنوحة كفيلة بحفظ حق الدولة وحقوق الاجيال المقبلة. لأن أكثر المتأثرين بالخصخصة هم ابناء الطبقة الوسطى، وهذه الشريحة هي الكبرى اليوم في الكويت. لذلك فالتطرف في الرأي غير مجد، فلا الخصخصة على اطلاقها مفيدة لواقعنا ولا تضييق الخناق عليها مفيد. وربما ان تجربة الصين في هذا المجال ذات جدوى، وهو ما أشار إليه البروفيسور ديفيد هارفي عندما اعتبر «ان تجنب الصين مسار الخصخصة الفورية مكنها من تفادي الكوارث الاقتصادية».هنا سيتساءل رجال الأعمال هل ستطول هذه المدة؟.. بينما سيأمل المتضررون منها فعلا.. أن تطول.
[email protected]